Iran, Iraq, and Arabs
إِيرَان والعِرَاق والعَرَب
Iran and the Curse of the Demon
إيرَانُ ولَعْنَةُ الشّيْطانِ
لَعْنَةُ الجُغرافيَا السِّياسيَّةِ والعِمَامَةِ الإِيرانيَّةِ
رِحْلَةٌ فِي أَسْرارِ عِلْمِ الإِجْتِمَاعِ وفُصُولِهِ السِّياسَّةِ
العِرَاقُ والعَرَبُ والغَرْبُ والجِنُّ والجَانُّ
الحَقِيقَةُ فِي الخَلْقِ والخَلِيقَةِ
السَّمَاءُ والأَرْضُ
كانَ "مَا" كانَ
كيْفَ تَحَوَّلَتْ عَرُوسُ البِلادِ وأَوَّلُ البِلادِ وأَقْدَمُ البِلادِ وأَسْمَى البِلادِ وأَبْهَى البِلادِ وأَزْهَى البِلادِ وأَحْلَى البِلادِ وأَرْقَى العِبَادِ -- بِناسِهَا بِأَنْهَارِهَا بِأَرْضِهَا بِزِينَتِهَا بِسَمَائِهَا بِخَيْرَاتِهَا بِعِرْقِهَا بِعِرَاقِهَا بِأَصْلِهَا بِفَصْلِهَا بِأُصُولِهَا بِآشُورِهَا بِجَمَالِهَا بِسِحْرِهَا بِحُكَّامِهَا مِنَ المُلُوكِ والأُمَرَاءِ والبَاشَوَاتِ والرُّؤَسَاءِ حَمُورَابي المُعتَلي وآشوربانِيبال أوسنَابير ونَبُوخَذ نَصر وفيصَل الأَوَّل وغازِي وفيصَل الثَّانِي ونُورِي السَّعِيد والبَكِر وصَدّام حسين -- إِلى مُحَافَظَةٍ مِنْ مُحَافَظَاتِ بِلادِ فَارِسَ! كانَ مَا كانَ -- القِصَّةُ الحَقِيقِيَّةُ مِنَ الأَلِفِ إِلى اليَاءِ بِعُيُونِ الأَرْضِ والسَّمَاءِ
مُقْتَطَفَاتٌ ومُخْتَارَاتٌ وقِطَعٌ مُخْتَارَةٌ، بَعْدَهَا نُحَلِّلُ ونَرْتَحِلُ ونَنْتَقِلُ إِلى بِسَاطِ التَّفْصِيلِ مِنْ كِتَابٍ إلى آخَرَ ومَكانٍ إلى آخَرَ وزَمَانٍ إِلى آخَرَ لِتَبْدَأَ رِحْلَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ والأَسْرَارِ فِي بِلادِ الفُرْسِ والعَرَبِ والغَرْبِ وشَاطِئِ البَحْرِ والنَّهْرِ والرَّافِدَيْنِ والنَّهْرَيْنِ، لِنَكْتَشِفَ مَاهِيَّةِ الأَسْبَابِ والأَسْرَارِ فِي التَّحَوُّلِ الكامِلِ وشُبْهِ الكامِلِ لِبِلادِ العَرَبِ والعِرَاقِ وسَاكِنِيهِ وأَرْضِهِ التِي كانَتْ "وهِيَ" أَرْضُ الجَّمَالِ والعِلْمِ والعُلُومِ والحَيَاةِ والحَضَارَاتِ، لِتَكُونَ بَعْدَ إِنْهِيَارِ 2003 مِيلادِيَّة ومَا تَلاهَا ويَلِيهَا أَرْضُ الجَّهْلِ والقَتْلِ والفَسَادِ والفَوْضَى والحُشُودِ والمِيلشيَاتِ والعِمَامَةِ والعِمَامَاتِ، أَيْ، فِي كلِمَاتٍ نَاطِقَاتٍ، لِتَكُونَ، وهِيَ فِي هذِهِ السَّنَوَاتِ والأَوْقَاتِ، مُحَافَظَةً بَائِسَةً مِنْ مُحَافَظَاتِ إِيرَانَ التَّائِهَاتِ -- النَّاطِقُ فِيهَا لِسَانُ العَرَبِ والفُرْسِ وشِيعَةِ الجَّهْلِ والخُرَافَاتِ وغَرَائِبِ العَادَاتِ -- والرَّاقِصُ فِيهَا العَدِيدُ مِنَ غَرَائِبِ الأَقْوَامِ والمُجْتَمَعَاتِ واللُغَاتِ
مِنْ كِتَابِ "السَّمَاءُ والأَرْضُ" -- مازن لِن، 2020
أَقُولُ إلى حُكَّامِ اليَوْمِ، وهُم حُكَّامُ القَدَرِ والأَقْدَارِ وصَنِيعَةُ الأَرْضِ وغَضَبُ السَّمَاءِ وغَدْرُ الزَّمَانِ... يَقُولُ المَثَلُ الصِّينِيُّ إِنَّ تَدْمِيرَ أَيَّ حِصْنٍ يَبْدَأُ مِنَ الدَّاخِلِ، ولَكُم أَقُولُ، إِنَّ تَدْمِيرَ أَيَّ وَطَنٍ يَبْدَأُ مِنَ الإِنْسَانِ، ولَكُم أُضِيفُ، إِنَّ بِنَاءَ أَيَّ حِصْنٍ يَبْدَأُ مِنَ السُّورِ ونَقْشِ الحَجَرِ، وإِنَّ بِنَاءَ أَيَّ وَطَنٍ يَبْدَأُ مِنَ النَّفْسِ وتَعْلِيمِ البَشَرِ، وإِنَّ الفَرْقَ واضِحٌ وجَلِيٌّ بَيْنَ الحِمَارِ والحِصَانِ، فَالحِمَارُ الصَّبُورُ "حَسَبَ تَعْرِيفِ الحِمَارِ لَدَيْكُم، وتَعْرِيفِ الصَّبْرِ عِنْدِي" وإِنْ لَمْ ولا يُشَارِكَ "الأَغْنِيَاءَ" فِي سِبَاقِ خَيْلِ الأَغْنِيَاءِ، لكِنَّهُ يَضْحَكُ عَلى الحِصَانِ إِنْ خَسِرَ السِّبَاقَ، وإِنْ كانَ سِعْرُهُ "أَيْ الحِصَانُ ولَيْسَ الحِمَارُ" أَغْلَى مِنْ سِعْرِ الإِنْسَانِ -- وإِنْ كانَ سِعْرُ الحِصَانِ أَعْلَى مِنْ سِعْرِ صَاحِبِ الحِصَانِ!! وَصَلَتْ؟؟
وأَخْرَجْتُم مَا فِي عُقُولِكُم مِنْ جَهْلٍ ومَا فِي بُطُونِكُم مِن جُوعٍ وحِرْمَانٍ ومَا فِي طُفُولَتِكُم مِنْ عُقَدٍ وأَحْدَاثٍ وإِنْحِرَافَاتٍ إِجْتِمَاعِيَّةٍ وخَلْقِيَّةٍ "والجُّوعُ والحِرْمَانُ لَيْسَ عَيْبَاً بَلْ هِيَ مِنْ فُصُولِ الأَقْدَارِ والأَرْزَاقِ ومَشِيئَةِ السَّمَاءِ والأَرْضِ، لكِنَّ العَيْبَ أَنْ يُحَاسَبَ الآخَرُونَ عَلَيْهَا ويُنْتَقَمَ مِنْهُم بِسَبَبِهَا وهُم مِنْ جِيلٍ آخَر!" وأَصْبَحْتُم بِأَفْعَالِكُم مِثَالاً حَقِيقِيَّاً لِلمَثَلِ القَائِلِ "مِنَ الهُوشِ لِلمَاكِنْتُوش،" وزَعِيمُكُم "عَمِيلُ إِيرَانَ المُدَلَّلِ" إِذْ إِمْتَلأَ بَطْنُهُ حَتّى صَارَ كِرْشَاً يَمْشِي عَلى الأَرْضِ ولِصَّاً إِمْتَلأَ رَأْسُهُ جَهْلاً لِيَتَحَقَّقَ فِيهِ مَا قِيلَ "البِطْنَةُ تُذْهِبُ الفِطْنَةَ، وإِذَا إِمْتَلأَتْ البِطْنَةُ مَاتَتْ الفِطْنَةُ،" فَكيْفَ لِمِثْلِهِ والفِطْنَةُ مَاتَتْ فِيهِ مُنْذُ وِلادَتِهِ فِي يَوْمٍ مُظْلِمٍ! ولا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُقَارِنَ إِنْحِطَاطَكُم الإِجْتِمَاعِيَّ والبَشَرِيَّ "لا الإِنْسَانِيَّ" حَتّى بِشَخْصِيَّاتٍ تأرِيخِيَّةٍ مِثْلِ "حَسْنَة مَلص" أَو "عَبَّاس بَيزة" ومَا عُرِفَا بِهِ -- سَمَاسِرَةُ الهَوَى والغَرَامِ والبَغَاءِ، أَيْ رَجُلٌ قَوَّادٌ وإِمْرَأَةٌ قَوَّادَةٌ أَرْزَاقُهُمَا مِنْ تَنْظِيمِ شُؤُونِ النِّسَاءِ البَغِيِّ وتَصْرِيفِ أُمُورِهِنَّ -- فَحَتّى حَسْنَة مَلص وعَبَّاس بَيزة لَهُمَا اليَوْم مِنْ إِحْتِرَامِ العِرَاقِيِّينَ مَا يَكفِي، إِذْ أَحَبَّا العِرَاقَ والمُجْتَمَعَ العِرَاقِيَّ وتَحَوَّلا إِلى أُنَاسٍ يُمَارِسُونَ دَوْرَاً مَا فِي سِيَاسَاتِهِ وصِرَاعَاتِهِ السِّيَاسِيَّةِ ولَوْ بِالشَّيءِ اليَسِيرِ والمُمْكِنِ
قَتَلْتُم العِرَاقِيِّينَ ومِنَ العَرَبِ والأَبْرِيَاءِ الكَثِيرِينَ، لَكِنَّكُم تَجْهَلُونَ ولا تَعْلَمُونَ لأَنَّكُم تَجْهَلُونَ، أَنَّ مِنْ أَسْرَارِ السَّمَاءِ والأَرْضِ، إِنَّ الأَمواتَ الطَّيِّبِينَ يُشَارِكونَ أَقرِبَائَهُم الأَحيَاءَ طَعَامَ العَشَاءِ ويَفرَحُونَ، ولِصَلاتِهِم يَبْتَهِجُونَ، ومَعَهُم يُصَلُّونَ، واللهَ والرَّبَّ بِالخَيْرِ والعَدْلِ لَهُم ولِأَجْيَالِهِم يَبْتَهِلُونَ، وأَمَّا إِذَا كانَ طَعَامُهُم مِنَ السَّمَكِ وزَيْتِ الزَّيْتُونِ... إِذْ هُم يَبْتَسِمُونَ
وأَقُولُ إِلى صَانِعِي الكَرَاسِيَ وتُجَّارِ المَقَاعِدِ وبَائِعِي المَنَاصِبِ فِي سُوقِ بَغْدَادَ الكَبِيرِ، فَعَلْتُم مَا أَرَدْتُم... سَرَقْتُم، قَتَلْتُم، صَنَعْتُم، بِعْتُم، إِشْتَرَيْتُم، إِغْتَنَيْتُم، أَحْرَقْتُم، إِنْتَقَمْتُم، دَمَّرْتُم، وبَغْدَادَ أَبْكَيْتُم، وكانَ مِنْكُم مَا كانَ مِنْ أَمْرَاضِ البَشَرِ وحَقَارَةِ الإِنْسَانِ وأَحْقَادِهِ وعُقَدِ الزَّمَانِ. ويَذْهَبُ العَمِيلُ لِيَأْتِيَ الزَّمِيلُ بِوَجْهٍ مَثِيلٍ وقِنَاعٍ مِنْ أَقْنِعَةِ النِّفَاقِ والسَّرِقَةِ والنَّهْبِ والفَسَادِ والعَمَالَةِ والإِنْحِطَاطِ الإِدَارِيِّ والسِّيَاسِيِّ والإِجْتِمَاعِيِّ والإِنْسَانِيِّ. والفَارِقُ بَيْنَ العَمِيلِ والزَّمِيلِ قَلِيلٌ، مَعَ بَقَاءِ العَمِيلِ كمَثَلِ الحِمَارِ فِي الجَّمْعِ والفَصِيلِ، وأُعْطِيَ مِنَ الأَقْنِعَةِ كثِيرَاً فَكثِيرٌ، لكِنَّ الوَجْهَ القَبِيحَ لا يَتَغَيَّرُ ولا سَبِيلَ، وإِنْ سَمَحَ الشَّعْبُ بِهذَا فَلا فَرْقَ ولا أَمَلَ إِلاّ البَصِيصَ والبَرِيقَ والضَّئِيلَ، إِنْ حَدَثَ مَا حَدَثَ
وعِندَهَا، يَنْطَبِقُ عَلى "بَعْضِ طَبَقَاتِ" الشَّعْبِ العِرَاقِيِّ المَثَلُ الصِّينِيُّ القَائِلُ "الجُّنْدِيُّ يَمُوتُ مَعَ الجَّنِرَالِ" أَو كمَا قَالَ الرَّبُّ فِي مَتّى "اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ -- وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ" وعِندَهَا يُتْرَكُ الأَمْرُ لِلزَمَانِ لِيُؤْخَذَ عَلى عَاتِقِهِ، والزَّمَانُ مِفْتَاحُ الحَلِّ والأَمَانِ، فَالتأريخُ فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ أَمْثَالِكُم. هُولاكو، مَثَلاً، فَعَلَ أَضْعَافَ مَا فَعَلْتُم، ودَمَّرَ بَغْدَادَ وحَطَّمَ بَوَّابَاتِهَا وأَسْوَارَهَا وكسَرَ قُلُوبَ سَاكِنِيهَا وأَحْرَقَ مَكْتَبَاتِهَا ودَمَّرَ تأرِيخَهَا وأَخْفَى مَعَالِمَهَا وقَتَلَ أَهْلَهَا وأَدْمَى أَنْهَارَهَا وغَيَّرَ أَلْوَانَهَا وأَبْكَاهَا، لكِنَّ بَغْدَادَ بَقِيَتْ، لأَنَّهَا، بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، بَغْدَادَ
ولَنْ تَجِدُو وَقْتَاً حَتّى لِوَضْعِ السَّرَاوِيلِ، بَعْدَ أَنْ يَبْدَأَ "لَيْلاً" الصُّرَاخُ والعَوِيلُ، وتَهْرُبُونَ وتَذْهَبُونَ وتَبْقَى بَغْدَادُ، لأَنَّهَا، بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، بَغْدَادَ! أَنْتُم بِأُصُولِكِم المَجْهُولَةِ وجُذُورِكُم المُشَوَّهَةِ أَصْغَرُ مِنْ بَغْدَادَ وأُصُولِهَا، وأَحْقَرُ وأَصْغَرُ مِنْ أَنْ تَقُودُو وتَحْكُمُو وتَتَحَكَّمُو بِالعِرَاقِ والبِلادِ وأَهْلِهَا، والعِرَاقُ هُوَ أَوَّلُ الأَرْضِ وآخِرُ الأَرْضِ وهُوَ الأَرْضُ والبِدَايَاتُ والتَّكْوِينُ وخَلِيقَةُ الرَّبِّ، والمَخْطُوطَاتُ المُقَدَّسَةُ حَكَتْ وحَكَمَتْ بِأَسْرَارِهَا أَنَّهُ لِلحَضَارَاتِ كالنَّبْضِ لِلقَلْبِ. ومَنْ يَدْرِي، قَدْ يَنَامُ الأَرْنَبُ فِي سُبَاتِ الَّليْلِ وقَدْ تَفُوزُ السُّلْحَفَاةُ فِي سِبَاقِ النَّهَارِ، وقَدْ يَبْكِيَ الحِصَانُ ويَضْحَكُ الحِمَارُ. ولا تَنْسَ، يَا حَاكِمَ الدِّيَارِ، إِنَّ الحِصَانَ، عِلْمِيَّاً، بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الحِمَارَ، لَكِنَّ النَّسْلَ،عِلْمِيَّاً أَيْضَاً، يَكُونُ مُشَوَّهٌ ومَحْدُودٌ. وأَمَّا الطَّيُورُ المُهَاجِرَةُ فَلا تَنْزِلُ عَنْ مُسْتَوَاهَا ولا تُشَوِّهُ نَسْلَهَا وتَنَاسُلَهَا لِلحِفَاظِ عَلى الجَّمَالِ والنَّقَاءِ والوُجُودِ. ولا تَنْسَ، يَا حَاكِمَ بَغْدَادَ وطَهْرَانَ، مَاذَا عَلَّمَنَا الزَّمَانُ، إِذْ تَضْحَكُونَ وتَضْحَكُ الأَقْدَارُ، ولا تَنْسَ مَاذَا عَلَّمَنَا القَدِيرُ، قَدْ يَبْكِيَ الفَلاّحُ وتَضْحَكُ الحَمِيرُ. ومَنْ يَضْحَكُ فِي الأَخِيرِ... لَهُ مِنَ الضَّحِكِ الكَثِيرِ!! ومَرَّةً أُخْرَى، وَصَلَتْ؟؟
إِذَنْ، سَوْفَ تُطْرَدُونَ وتَهْرُبُونَ فِي لَيْلَةٍ وضُحَاهَا، بَلْ فِي لَمْحِ البَصَرِ، وزَعِيمُكُم فِي طَهْرَانَ مِنْ شِدَّةِ الأَمْرِ يَتَحَيَّرَ، وفِي لَيَالٍ يَتَغَيَّرَ، ولَكُم يَتَنَكَّرَ، فَيَبِيعَكُم بِفِلسٍ أَحْمَرٍ ودُولارٍ أَخْضَرٍ، ومَالِكُ زِمَامِ أَمْرِكُم فِي حَدِيقَةِ قَصْرِهِ الصَّغِيرِ يَتَسَمَّرُ، تَصَوَّرْ شِدَّةَ الأَمْرِ وتَصَوَّرْ، وتَصَوَّرْ "سُرْعَةَ" الأَمْرِ وتَصَوَّرْ
وأقُولُ فِي هَذا الفَصْلِ كَمَا قُلْتُ سَابِقَاً وفِي كُتُبٍ وفُصُولٍ أُخْرَى: غَرِيبٌ عاقِلٌ خَيْرٌ مِن أَخٍ بَغِيٍّ، ومَاجِنٌ تَقِيٌّ خَيْرٌ مِن مُنَافِقٍ وَلِيٍّ، وصَدِيقٌ رَاقٍ خَيْرٌ مِنْ جَارٍ سُوقِيٍّ، وعَدُوٌّ حَكِيمٌ خَيْرٌ مِن حَلِيفٍ غَبِيٍّ
وأَفضَلُ السُّبُلِ لِمَعرِفةِ الحَقِيقَةِ، يَا سَادَة، هِيَ الخَوْضُ فِي تَجَارُبٍ مُبَاشَرَةٍ، وأَقْصَرُ الطُّرُقِ لِلخُرُوجِ مِنْ تِلكَ التَّجَارُبِ بِنَجَاحٍ هُوَ الصَّبْرُ عَلى تِلكَ الحَقِيقَةِ، مَهْمَا كانَ أَثَرُهَا فِي العُقُولِ وآثَارُهَا فِي القُلُوبِ وأَيًّا كانَتْ الظُّرُوفُ والنَّتَائِجُ
وهُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ بِنَاءِ القُلُوبِ أَو تَعْمِيرِهَا، فَالأَوّلُ أَسَاسُهُ الصَّبْرُ والنِّسْيَانُ، لكِنَّ الثّانِي أَسَاسُهُ الثِّقَةُ والإِيمَانُ. وأَمَّا العُقُولُ، فَدَائِمَاً أَقُولُ، إنَّ العُقُولَ كالأَقْفاَلِ، مِنْهَا اليَسِيرُ السَّهْلُ، ومِنْهَا مَا تَآكلَ ونَالَ مِنْهُ "أُكسِيدُ" الجَّهْلِ -- الأَوَّلُ مِنَ الجَّمَالِ والثَّانِي لا يَنْفَعَ مَعَهُ إِلاّ الصَّبْرُ والكَسْرُ، ثُمَّ الإِسْتِبْدَالُ. قُلْتُ هذَا فِي لِقَاءٍ خاصٍّ فِي سَنَةِ 2011 فَلَم أَتَلَقَّى سِوَى الإِهَانَاتِ الإِيرَانِيَّةِ والتَّهْدِيدَاتِ العِرَاقِيَّةِ "الإِيرَانِيَّةِ" بِالقَتْلِ، وإِلى يَوْمِنَا، إِذْ أَتَلَقَّى مِنْهَا الكثِيرَ بِشَكْلٍ يَوْمِيٍّ فِي رَسَائِلٍ ورِسَالاتٍ وإِتِّصَالاتٍ مِنْ هُنَا وهُنَاكَ لِتُصْبِحَ فِي حَيَاتِيَ شَيءٌ رُوتِينِيٌّ -- إِعْتِدَاءٌ قَبْلَ سَنَوَاتٍ وآخَرُ وبَعْدَهَا وقَبْلَ سَنَتَيْن، وهكذَا، فَإِنَّ التَّهْدِيدَاتِ ورُدُودَ الأَفْعَالِ هذِهِ وتِلْكَ دَلِيلٌ عَلى مَا كانَ ويَكُونُ لِي مِنْ إِيمَانٍ وإِعْتِقَادٍ -- وهذِهِ دُيُونٌ وَطَنِيَّةٌ وضَرَائِبٌ إِنْسَانِيَّةٌ وحُبٌّ لِلأَرْضِ التِي أَعْطَتْ الكثِيرَ ولا ذَنْبَ لَهَا سِوَى أَنَّ أَبْنَاءَهَا ظَلَمُوهَا
ولَيْسَ كمَا قَالَ قَائِلٌ مِنْهُم "بِلادِي وإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ،" وهُوَ أَسَاسٌ خَاطِئٌ لا مَعْنَى لَهُ مِنْ مَنْظُورِ العَدْلِ الإِنْسَانِيِّ الغَيْرِ مُطْلَقٍ والعَدْلِ الإِلَهِيِّ المُطْلَقِ، فَالعِلاقَةُ بَيْنَ البِلادِ والعِبَادِ أَو المُواطِنِ والوَطَنِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً عَلى أَسَاسِ الوُجُودِ الأَبَدِيِّ والحُبِّ والإِحْتِرَامِ المُتَبَادَلَيْنِ، أَيْ أَنَّ المُوَاطِنَ يَعْمَلُ بِجِدٍّ وجُهْدٍ وحُبٍّ ويَحْتَرِمُ النِّظَامَ والقَانُونَ وحُرِّيَّةَ الآخَرِينَ ويَدْفَعُ الضَّرَائِبَ "لِلحُصُولِ عَلى البِنَاءِ والإِعْمَارِ والصِحَّةِ والتَّعْلِيمِ والعِلْمِ والعَمَلِ والخَدَمَاتِ والحُرِّيَّاتِ" ويُدَافِعُ عَنْ بِلادِهِ وأَرْضِهِ أَو يَمُوتُ مِنْ أَجْلِهَا دِفَاعَاً عَنْهَا ولَيْسَ هُجُومَاً عَلى غَيْرِهَا، وفِي المُقَابِلِ يَحْصُلُ مِنْ بِلادِهِ عَلى مَا ذُكِرَ إِضَافَةً إِلى الكرَامَةِ والسِّيَادَةِ والهَيْبَةِ والسَّلامِ والسَّكِينَةِ والطُّمأنِينَةِ والإِطمِئْنَانِ والسُّمْعَةِ الطَّيِّبَةِ وإِحْتِرَامِ الآخَرِينَ لَهُ ولِبِلادِهِ وحَضَارَتِهِ وحَضَارَاتِهِ، وعَكْسُ ذَلِكَ، عِنْدِي، هُوَ حُبٌّ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ قَدْ يَتَطَوَّرُ فِي سِلْبِيَّتِهِ لِيَصِلَ إِلى مَرْحَلَةِ الإِسْتِغْلالِ والعَبَثِ والجَّهْلِ والحَمَاقَةِ والأَوْهَامِ والشِّعَارَاتِ وغَسِيلِ العُقُولِ والحُرُوبِ العَبَثِيَّةِ وضَيَاعِ الحَيَاةِ بِلا مَعَانٍ أَو مَقَامٍ
وأَقُولُ إِلى أَهْلِ العِرَاقِ...، كرِهَ "بَعْضُكُم" أَو القَلِيلُ مِنْ جُهَلاءِ القَوْمِ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ والمَكانِ العَائِلَةَ المَالِكةَ والأُمَرَاءَ والمُلُوكَ والبَاشوَاتَ وهُم الطَّيِّبُونَ المُخْلِصُونَ المُبَارَكُونَ العَامِلُونَ المٌؤسِّسُونَ المُعَمِّرُونَ الأَحْبَابُ الرُّقَاةُ الأَنْقِيَاءُ الأَوْفِيَاءُ البُسَطَاءُ الأَبْرِيَاءُ مِنَ النَّاسِ فِي الخَلِيقَةِ -- وكرِهْتُم صَدّام حسين فِي مَقَامٍ آخَر وهُوَ عِرَاقِيٌّ مِنَ الأَرْضِ لَهُ مَا لَهُ وعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ مِئْلَ بَاقِي البَشَرِ وبَقِيَّةَ الخَلْقِ. وهُنَا، وفِي هذَا المَقَامِ، أَقُولُ، أَنَّكُم "بِهذَا" نَسِيتُم وأَنْتُم "المُسْلِمُونَ" مَا كُتِبَ فِي القُرآنِ الكرِيمِ الذي أَحْتَرِمُ الكَثِيرَ مِنْ كَرِيمِ كلِمَاتِهِ إِحْتِرَامِي لِنَفْسِي وأَصْدِقَائِيَ المُسْلِمِينَ كمَا جَاءَ فِي سُورَةِ البَقَرَةِ "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ،" وأَحْبَبْتُم، فِي عَالَمِ الأَوْهَامِ فِي مَقَامٍ ومَقَالٍ آخَر، الجُّهَلاءَ والعُمَلاءَ والسُّرَّاقَ والمُنْحَطِّينَ مِنَ البَشَرِ فِي الخَلِيقَةِ مَنْ كانُو يَبُثُّونَ السُّمُومَ والأَكاذِيبَ مِنْ خِطَابَاتِ العَمِيلِ عَبد السَّلامِ عَارِف والخَائِنِ عَبد الكرِيم قاسِم وإِذَاعَاتِ المَعْتُوه جَمال عَبد النّاصِرِ والمُنَافِقِ يُونس بَحرِي وغَيْرِهَا مِنْ إِعْلامِ الدِّمَاءِ والرِّيَاءِ فِي فُصُولِ البَشَرِ والحَجَرِ والبِلادِ والعِبَادِ مِنْ القَوْمِيّينَ والنَّاصِرِيّينَ القَتَلَةِ -- وأَحْبَبْتُم، فِي عَالَمِ الأَوْهَامِ فِي مَقَامٍ ومَقَالٍ آخَر، الجُّهَلاءَ والعُمَلاءَ والسُّرَّاقَ والمُنْحَطِّينَ مِنَ البَشَرِ فِي الخَلِيقَةِ مَنْ كانُو يَبُثُّونَ السُّمُومَ والأَكاذِيبَ مِنْ لَنْدَنَ وإِذَاعَةِ العِرَاقِ "الحُرِّ" وغَيْرِهَا مِنْ إِعْلامِ الدِّمَاءِ والرِّيَاءِ فِي فُصُولِ البَشَرِ والحَجَرِ والبِلادِ والعِبَادِ مِنْ عُمَلاءِ وجُهَلاءِ مَلالِي طَهْرَانَ والإِسْلامِ السِّيَاسِيِّ القَتَلَةِ -- وفِي هذَا المَقَامِ، أَقُولُ، أَنَّكُم "بِهذَا" نَسِيتُم وأَنْتُم "المُسْلِمُونَ" مَا كُتِبَ "وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وهُوَ شَرٌّ لَّكُم وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ." واليَوْمَ أَنْتُم نَادِمُونَ عَلى كرَاهِيَةِ مَنْ لا يَسْتَحِقّ وحُبِّ مَنْ لا يَسْتَحِقّ، وحُبِّ مَنْ لا يَسْتَحِقّ وكرَاهِيَةِ مَنْ لا يَسْتَحِقّ. هُوَ الأَمْرُ إِذَاً، كمَا قَالَ الآبَاءُ والأَجْدَادُ وهُم أَرْقَى وأَذْكى مِنَّا: لا كرَبَ مَعَ الرَّبِّ. ومَا حَدَثَ -- مُنْذُ إِنْهِيَارِ المُجْتَمَعَاتِ الرَّاقِيَةِ فِي إِنْقِلابِ 1958 وحُكْمِ العَسْكرِ ثُمَّ إِنْهِيَارِ المُجْتَمَعَاتِ المُسْتَقِرَّةِ فِي 2003 وحُكْمِ المِيلشيَاتِ الإِيرَانِيَّةِ ومَا كانَ ويَكُونُ فِي أَيَّامِنَا والأَيَّامِ -- دّلِيلٌ عَلى مَاهِيَّةِ الخَلْقِ والخَلِيقَةِ والقُلُوبِ والعُقُولِ ومَا فِيهَا. وَصَلَتْ؟
البَابِلِيُّونَ زَرَعُو وحَصَدُو وحَفَرُو وصَنَعُو وأَبْدَعُو فِي البِنَاءِ والإِعْمَارِ والأَفْكارِ والعُلُومِ والرَّيِّ والإِرْوَاءِ ونَقَلُو المِيَاهَ مِنَ المُسْتَحِيلِ إِلى المُسْتَحِيلِ فِي مُعْجِزَةٍ ولُغْزٍ بَشَرِيٍّ وإِنْسَانِيٍّ مُطْلَقٍ لا زَالَ يُدَرَّسُ فِي جَامِعَاتِ الأَرْضِ ومَا فِيهَا. وأَمَّا اليَوْم، فَعُمَلاءُ وجُهَلاءُ وسُرَّاقُ العِرَاقِ، بِنَفْطِهِ وغَازِهِ وأَمْوَالِهِ وأَمْوَالِ العَالَمِ، ومُنْذُ إِنْهِيَارِ 2003 ومَا تَلاهَا، لا يَسْتَطِيعُونَ تَرْصِيفَ شَارِعٍ واحِدٍ أَو، عَلى الأَقَلِّ، تَنْظِيفَهُ مِنَ النِّفَايَاتِ اليَوْمِيَّةِ!! السِّرُّ؟؟ السِّرُّ فِي كلِمَاتٍ: حُبُّ الوَطَنِ والأَرْضِ ونَاسِهَا ومَنْ فِيهَا ومَا فِيهَا ومَنْ عَلَيْهَا، والإِخْلاصُ فِي العِلْمِ والعَمَلِ والعَبْقَرِيَّةُ فِي الإِدَارَةِ والتَّخْطِيطِ، وإِحْتِرَامُ ثَرَوَاتِ البِلادِ مُلْكِ العِبَادِ، والأَهَمُّ مِنْ هذَا وذَاكَ، الوَلاءُ لِلبِلادِ ولَيْسَ لِكارِهِيهَا، وَفِي مِثَالِنَا وأَيَّامِنَا، بِلادِ فَارِسَ
إِبْدَاعُ حَسَن حُسْنِي وهُدُوءُ وأَمَل سِنَان والقِطَّةُ الجَمِيلَةُ "البَزُّونَةُ" هَدِيل كامِل والتَّشْويقُ والإِثَارَةُ ومُسَلْسَلُ نادِيَة، بَيْتٌ وخَمِسُ بيبانِ وعُنْجُر - لَك هِيَّة هاي يِمْنَة؟! وكُلُّ مَوْسِمٍ مَسْرَحِيَّةٌ... الشَّبَابُ والتِّلْفَازُ والخَمِيسُ والجُمْعَةُ والليَالِيَ البَغْدَادِيَّةُ، إقبالُ حَامِد وإِبْتِسَامَتُهَا وخَمائِلُ وجَمَالُهَا وفِريالُ ورُقِيُّهَا ومَديحةُ ودَلالُهَا وسُهاد وأُنُوثَتُهَا، هُوَ الجَّمَالُ وهِيَ ثَقَافَةُ النِّسَاءِ، العِلْمُ لِلجَّميعِ وكامِلُ الدّبّاغ فِي مَسَاءِ الأَرْبِعَاءِ، والأَفْلامُ والمُسَلْسَلاتُ والفَنُّ فِي نَمَاءٍ، هِند كامِل وجَمَالُهَا النَّادِرُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فِيهَا الأُنُوثَةُ والهُدُوءُ والأَنَاقَةُ والثَّقَافَةُ والعُيُونُ والكُحْلُ والبَهَاءُ، وُلِدَتْ جَمِيلَةٌ حَسْنَاءُ، فِي فَنِّهَا عَلامَةٌ شَيْمَاءُ، فَكانَتْ سِتُّ الحُسْنِ وكانَ فِيهَا حُسْنُ الأرْضِ والسَّمَاءِ
إِبْنَةُ البَصْرَةِ الحَسْنَاءُ فِكتُوريَا نُعْمَان، مُحَامِيَةٌ وإِذَاعِيَةٌ وإِعْلامِيَّةٌ لِلعِرَاقِ فَخْرٌ وعُنْوَانٌ، أَوَّلُ مُذِيعَةٍ فِي بِلادِ العَرَبِ بِنَبْرَةٍ كالنَسِيمِ وصَوْتٍ هَادِئٍ رَنَّانٍ
وأَصِلُ بِقِطَارِ الجَّمَالِ والدَّلالِ، يَا سَادَة، إِلى أَجْمَلِ وأَرْقَى مَحَطَّاتِ الإِنْسَانِ والمُوسِيقَى والأَلْحَانِ - أَصِلُ إِلى سِيتَا هاكُوبيَان "فَرَاشَةِ البَصْرَةِ العِرَاقِيَّةِ" وحَلاوَةِ المَزْجِ بين التُّراثِ وكِيتارِ النَّغَماتِ الغَرْبيّةِ... يُمَّه يُمَّه آخ يُمَّه... وهِيَ دُرَّةٌ وُجِدَتْ فِي البُحَيْرَةِ، وشَمْسٌ وُلِدَتْ عَلى ضِفَافِ شَطِّ العَرَبِ فِي البَصْرَةِ، حَيْثُ وُلِدَ النَّحْوُ ومَعَهُ البَلاغَةُ وأَصْلُ اللُّغَةِ، وقَمَرٌ بِعُيُونٍ نَاعِسَةٍ أَرْمَنِيَّةٍ. جَمِيلَةٌ بِصَوْتِهَا وصَغِيرَةٌ كالفَرَاشَةِ الذَّهَبِيَّةِ، وحَبِيبُهَا كانَ صغَيْرُون، فَسَافَرَتْ فِي "دُرُوبِ السَّفَرِ" ودَمَعَتْ العُيُونُ، وذَبُلَتْ "أَوْرَاقُ الشَّوْقِ" والأَجْفَانُ والجُفُونُ، وتَاهَتْ فَقَالَتْ "مَنْدَل دَلُّونِي" وهِيَ أَجْمَلُ وأَرْقَى مَا غَنَّتْ، لِتَبْقَى مَعَ "أَوْرَاقِ الشَّوْقِ" وال 99% أَحْلَى الأَغَانِيَ العِرَاقِيَّةِ. تُبْكِينِي طِفْلاً فِي "لَيْلِ السَّهَرِ" والقَمْرَةِ اللَيْلِيَّةِ... أُحِبُّهَا، ولَسْتُ وَحْدِي، وأُشَاهِدُهَا وأَسْمَعُ صَوْتَهَا وأَسْتَمِعُ لَهَا يَوْمِيَّاً، ولَسْتُ وَحْدِي، فَقَدْ أَحَبَّهَا - ودَائِمَاً - الصَّغِيرُ والكبِيرُ لِفَنِّهَا وصَوْتِهَا وكلِمَاتِهَا وأَلْحَانِهَا وجَمَالِهَا ودَلالِهَا وعُيُونِهَا وأُنُوثَتِهَا ورِقَّتِهَا وبَسَاطَتِهَا ومَشَاعِرِهَا وأَحَاسِيسِهَا وصِدْقِهَا مَعَ نَفْسِهَا ونَاسِهَا وإِبْتِسَامَتِهَا البَصْرَاوِيَّةِ ودُمُوعِهَا النَقِيَّةِ. وفَسَاتِينُهَا مِثْلُهَا جَمِيلَةٌ وزَهِيَّةٌ، بِزُهُورٍ وَرْدِيَّةٍ، سَكنَتْ البَصْرَةَ فَكانَتْ البَصْرَةُ بِهَا جَمِيلَةً سَاحِرَةً، وحَلَّتْ فِي بَغْدَادَ فَصَارَتْ سَمَاءُ بَغْدَادَ فَوْقَهَا بَاهِرَةً. لكِنَّ العِرَاقِيِّينَ، كعَادَتِهِم، لَمْ يُقَدِّرُو قِيمَةَ ولَمَعَانَ اللُّؤْلُؤُةِ البَصْرَاوِيَّةِ -- كمَا قَدَّرَتْ لُبْنَانُ فَيْرُوزَهَا الجَبَلِيَّةِ -- فَهَاجَرَتْ سِيتَا العِبَادَ والبِلادَ وهَجَرَتْهَا، فَأَصْبَحَتْ بِلادُ الرَّافِدَيْنِ بَعْدَهَا حَزِينَةً حَائِرَةً. هِيَ سِيتَا هَاكُوبيان، فَكانَتْ السَبعِينيَّاتُ بِهَا ولَهَا عَقْدَ السَّعَادَةِ العِرَاقيَّةِ
وأُكْمِلُ فِي سِحْرِ السَبْعِينيَّاتِ ومَا تَبَقَّى مِنْ سَنَوَاتِهِا الذَّهَبِيَّةِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ أَيَّامَاً فِضِّيَّةً... والمُوظَّفُ كانَ "مَلِكَاً" بِرَاتِبٍ وكرَامَةٍ وسَعَادَةٍ وتَقَاعُدٍ لِسِنِين، والنَّقَابَاتُ والنَّوادِيَ والتَّرْفِيهُ للمُحِبِّينَ، والحَدائِقُ والنَّخيلُ والعِنَبُ والتِّينُ، والأَمَانُ فِي الّليْلِ والنَّهَارِ، والبُيُوتُ آمِنَةٌ والجَّارُ للجَّارِ، والنَّاسُ أَحْرَارٌ، مَنْ يُصَلِّيَ ومَنْ يَجْلِسُ فِي الفَنادِقِ والبَارِ. والرِّحْلاتُ الصَّيْفِيَّةُ والمَوْسِمِيَّةُ، والسُّوَّاحُ والزُّوَّارُ والزَّائِرُونَ والعِراقِيُّونَ والتَّعارُفُ والصَّدَاقَةُ وقِطارُ خانَقِينَ، والسَّهَرُ والتَّمْثيليّاتُ وقَلْبِي نارَك وخَشْم الوَلَد طار وكافِي يَا معَوْدِين، والمَسْرَحِيَّاتُ والمُسَلْسَلاتُ والنَّجْمَةُ الرَّاقِيَةُ شَذى سالِم وفَتاةٌ فِي العِشرينَ. وهكذَا، يُغْرَمُ العَرَبُ أَكثَرَ وأكثَرَ بالعِرَاقِيّينَ، فِي كُلِّ زَمَانٍ وفِي كُلِّ حِين
والأَفْلامُ والمُسَلْسَلاتُ والفَنُّ فِي نَمَاءٍ، هِند كامِل وجَمَالُهَا النَّادِرُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فِيهَا الأُنُوثَةُ والهُدُوءُ والأَنَاقَةُ والثَّقَافَةُ والعُيُونُ والكُحْلُ والبَهَاءُ، وُلِدَتْ جَمِيلَةً حَسْنَاءً، فِي فَنِّهَا عَلامَةٌ شَيْمَاءُ، فَكانَتْ سِتَّ الحُسْنِ وكانَ فِيهَا حُسْنُ الأَرْضِ والسَّمَاءِ
وأَعُودُ دائِمَاً إِلى الثَّمانينيَّاتِ...، ومَرّتْ سَنَواتٌ، وإِنتَصَرَ العِراقِيّونَ فِي عامِ 1988 بِدِمَاءِ العِرَاقِيّينَ وأَمْوالِهِم وأَمْوالِ "بَعْضِ" المُخْلِصينَ مِنَ العَرَبِ، رَغْمَ خِيانَةِ "بَعْضِ" المُنافِقينَ مِنَ العَرَبِ. وكانَ الإِنْتِصَارُ الصَّعْبُ فِي شَهْرِ آبٍ أَغُسْطُسَ وهُوَ الشَّهْرُ الثَّامِنُ مِنَ سَنَةِ العِرَاقِ الشَّمْسِيَّةِ بِأَرْضِهِ الزَهِيَّةِ وأُصُولِهِ الآشُورِيَّةِ السُّرْيَانِيَّةِ. وأُعْلِنَ بَيَانُ "النَّصْرِ" بِالصَّوْتِ الوَطَنِيِّ المُرَادِ. وتَجَرَّعَ الخُمَيْنِيُّ السُّمَّ وأَعْلَنَ وَقْفَ القِتَالِ والإِسْتِسْلامِ لِلأَمْرِ الوَاقِعِ، وبَكى الإِيرَانيُّونَ ورَقَصَ العِرَاقِيُّونَ رَقْصَةَ النَّصْرِ "العَظِيمِ" فِي البُيُوتِ والشَّوَارِعِ والسَّاحَاتِ وأُزِيلَتْ رَايَاتُ الحِدَادِ. وأُطْلِقَ الرَّصَاصُ فِي الهَوَاءِ والسَّمَاءِ، فِي أَيَّامِ أَغُسْطُسَ وكانَ عَدَدُ أَيَّامِهِ 31 يَوْماً مِنَ الرَّقْصِ والفَرَحِ والغِنَاءِ. ومَرَّ الزَّمَانُ -- وحَصَلَ تَقَارُبٌ "نادِرٌ" بَيْنَ العِرَاقِ ودُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبِيِّ والعَرَبِ وكانَتْ أَوْقَاتُ إنْسِجَامٍ وصَفَاءٍ، أو هُدُوءٍ يُحَذِّرُ بِعَاصِفَةٍ هَوْجَاءٍ، وتِلْكَ العَاصِفَةُ كانَتْ... لَعْنَةُ الكُوَيت
الأَدْيَانُ إِذَاً كالبَشَرِ والدِّينُ كالإِنْسَانِ، والإِنْسَانُ "بِحُرِّيَّتِهِ" كالطَائِرِ فِي الجِّنَانِ
إِذْ بَرَعَتْ القَنَوَاتُ الإِعْلامِيَّةُ والفَضَائِيَّاتُ فِي تَحْوِيلِ الأَكاذِيبِ إِلى حَقَائِقٍ رَاسِخَةٍ، لَيْسَ بِسَبَبِ ذَكاءِ الإِعْلامِ بَلْ بَسَبَبِ غَبَاءِ وسَذَاجَةِ المُتَلَقِّيَ إِنْ كانَ مُسْتَمِعَاً أَو مُشَاهِدَاً وفِي إِخْتِلافِ الأَزْمَانِ. والأَمْرُ لا يَقْتَصِرُ عَلى الإِعْلامِ العَرَبِيِّ الذِي بَرَعَ فِي أَكاذِيبِهِ وسَاهَمَ "بِهَا" فِي سَفْكِ دِمَاءِ العِبَادِ وتَدْمِيرِ البِلادِ، بَلْ أَيْضَاً الإِعْلامِ الغَرْبِيِّ الذِي سَاهَمَ بِنُفُوذِهِ وأَمْوَالِهِ وسُلْطَانِهِ وسُلْطَتِهِ فِي غَسِيلِ العُقُولِ والقُلُوبِ بِمَاءِ الجَّهْلِ والأَكاذِيبِ والإِرْهَابِ -- وغَبَاءُ الجُّمْهُورِ لَعِبَ دَوْرَاً مُهِمَّاً وأَسَاسِيَّاً فِي ذَلِكَ، لِلأَسَفِ
إِذَنْ، أَقُولُ، يَا سَادَة، إِنَّ مَا كانَ ويَكُونُ وسَوْفَ يَكُونُ مِنْ إِرْهَابٍ وحُرُوبٍ وصِرَاعَاتٍ وقَتْلٍ وتَدْمِيرٍ وتَهْجِيرٍ وأَحْزَانٍ فِي أُوروبّا أَو أَمرِيكا أَو آسِيَا أَو أَفرِيقيَا أَو بِلادِ العَرَبِ -- فِي المَاضِي والحَاضِرِ والمُسْتَقْبَلِ -- جُلُّهَا وجُلُّ أَسْبَابِهَا إِرَادَاتٌ وصِرَاعَاتٌ "شَخْصِيَّةٌ" أَو أَفْكارٌ وعُقَدٌ إِجْتِمَاعِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالطُّفُولَةِ والشَّبَابِ والمَاضِي والأَحْدَاثِ الأُولَى ومَا تَلاهَا أَو مَا كانَ مِنْهَا وحَوْلَهَا فِي حَيَاةِ الحَاكِمِ والحُكَّامِ أَو أَصْحَابِ النُّفُوذِ والسُّلْطَانِ، ولاَ سَبِيلَ إِلى الشَّكِّ فِي ذَلِكَ
إذَنْ، الجَّهْلُ هُوَ تَعْريفُ الدَّوْلَةِ الفاشِلَةِ، والعُنْفُ هُوَ تَعْريفُ الأُمَّةِ الفاشِلَةِ، والفَقْرُ هُوَ تَعْريفُ المُجْتَمَعاتِ الفاشِلَةِ، وهذا، يا سَادَة، هُوَ الدِّينُ والسِّياسَةُ فِي بِلادِ الفُرْسِ والعَرَبِ
وأُضِيفُ بأَنَّ أَعْمَالَ العُنْفِ والقَتْلِ والنَهْبِ والتَّهْجيرِ بِحَقِّ اليَهودِ الأَبْرِيَاءِ لَمْ تَحْدُثْ فَقط فِي العِرَاقِ، بَلْ وأَيْضاً فِي العَديدِ مِنَ الدُّوَلِ العَرَبيّةِ كمِصْرِ والجَّزائِرِ قَبْلَ وأثْناءَ وبَعْدَ الحَرْبِ العالَميّةِ الثّانيةِ -- وكانَ الإِعْلامُ المَسْمُوعُ حِينَهَا مِنْ إِذَاعَاتٍ وخِطَابَاتٍ نَازِيَّةٍ وقَوْمِيَّةٍ مُسَجَّلَةٍ أَو مَنْقُولَةٍ أَو شَائِعَةٍ أَو مُتَدَاوَلَةٍ، كاليَوْم، سِلاحَاً لِلنِّفَاقِ ونَشْرِ الأَكاذِيبِ والفِتَنِ والجَّهْلِ والغَوْغَائِيَّةِ وتَشْوِيهِ الأَفْكارِ وغَسْلِ العُقُولِ وغَسِيلِهَا وتَدْمِيرِ المُجْتَمَعَاتِ المُسْتَقِرَّةِ وغَيْرِ المُسْتَقِرَّةِ. وكانَتْ مَأْسَاةُ "الفَرْهُودِ" نُقْطَةَ تَحَوِّلٍ "أَخْلاقِيَّةً ونَفْسِيَّةً" فِي حَيَاةِ الكثِيرِ مِن يَهُودِ العِرَاقِ الذينَ كانُو حَجَرَاً أَسَاسَاً فِي بِنَاءِ دَوْلَةِ العِرَاقِ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وفَخْرٍ ورَخَاءٍ وغِنَىً "آنَذَاك" وغَادَرَ الكثِيرُ مِنْهُم بِسَبَبِ الخَوْفِ أَو الصَّدْمَةِ مِمَّا كانَ أَو قَدْ يَكُونُ لاحِقَاً
ورَفَضَ المالِكيُّ أنْ يَتِمَّ إكْمالُ التَّصْويرِ بَعْدَ أنْ فاجَأَ صَدّامُ حسينَ الجَّمِيعَ إذْ وَقَفَ شُجَاعَاً مُتَمَاسِكَاً بَيْنَمَا القَتَلَةُ يَرْتَجِفُونَ. وحَدَثَ مَا حَدَثَ وأُكْمِلَ التَّصْويرُ بأَمْرِ الضّابِطِ الأَمريكِيِّ، فَلا تُوجَدُ جَريمَةٌ كامِلَةٌ بَلْ هُوَ الغَبَاءُ الكامِلُ والحِقْدُ الأَعْمَى وهِيَ الأَيَّامُ
والخَفافِيشُ إِنْ رَقَصَتْ كانَ رَقْصُهَا سِرَّاً فِي الظَّلامِ، والنَّاسُ نِيَامٌ، لكِنَّهَا تَخَافُ أَنْ تَرْقُصَ فِي الصَّبَاحِ بَعْدَ الشُّرُوقِ. وهَكذا، تَمَّ إعْدَامُ الرَّئِيسِ العِرَاقِيِّ صَدّام حسين، وأُنْجِزَ الأَمْرُ قَبْلَ الشُّرُوقِ وبَعْدَ الشُّرُوقِ
فَهُزِمَ الشّانِقُ وإِنْتَصَرَ المَشْنُوقُ
وأُعْدِمَ صَدّام حسين، آخِرُ رَئيسٍ شَرْعِيٍّ، وهُوَ بالنِسْبَةِ للعِراقِ وكثيرٍ مِنَ العَرَبِ والغَرْبِ آخِرُ رَئيسٍ شَرْعِيٍّ. وهَذِهِ مَعْلُومَةٌ ولَيْسَ تَحْلِيلٌ أو تَفْسِيرٌ عَقْلِيٌّ. وأقُولُ "شَرْعِيٌّ" وأَنَا لَسْتُ بِحِزْبِيٌّ أو بَعْثِيٌّ، ولا مِنْ مُنَاصِرِيهِ بِشَكْلٍ مُطْلَقٍ أَو مُنْتَقِدِيهِ بِشَكْلٍ مُطْلَقٍ، ولا أَنَا مُحِبٌّ أَزَلِيٌّ لِلجُمْهُورِيَّاتِ "فأنَا مِنْ مُنْتَقِدِيهِ خاصَةً بَعْدَ خَطِيئَةِ إحْتِلالِ الكُوَيتِ" ولَيْسَ لِي عِلاقَةٌ بالأَحْزابِ ونِفَاقِهَا وجَهْلِهَا أَو بِهذَا وذَاكَ، لا أَنَا ولا جَدِّي -- وجَدِّي مَلَكِيٌّ دُسْتُورِيٌّ أَحَبَّ الرَّخَاءَ والسَّلامَ والإِسْتِقْرارَ السِّياسِيَّ والإجْتِمَاعِيَّ. وأُؤْمِنُ أَنَّ تَعْرِيفَ الدِّيمُقرَاطيَّةَ، وهَذا رَأْيٌ شَخْصِيٌّ، هُوَ فِي ثَلاثٍ: الأَمَانُ والسِّيَادَةُ والإزْدِهَارُ، وهَذا يَأْتِيَ مِنْ حُكْمِ العَائِلَةِ أَو المَلَكِيَّةِ الدُّسْتُورِيَّةِ أَو الحِزْبِ الوَاحِدِ أَو القَلِيلِ والمَعْدُودِ مِنَ الأَحْزَابِ الوَطَنِيَّةِ مِنْ ذَوِي العِلْمِ والأَصْلِ والثَّقَافَةِ دُونَ الجُهَلاءِ والعُمَلاءِ والدُّخَلاءِ -- وأَنَا إِذَاً عاشِقٌ للمَلَكِيَّةِ كجَدِّي
إذَنْ، ذَهَبَ زَمَانُ الحَضَاراتِ والعِلْمِ والرُّقِيِّ والثَّقافَةِ والشَّهاداتِ، وزَمَانُ الرُّقاةِ و "أوْلادِ الأُصُولِ" والوَزيراتِ الرّاقِياتِ، وجَاءَ زمَانُ الإغْتِيالاتِ، وأحْزابٌ بالمِئاتِ، وإمّعاتٌ لَبِسُو العِمامَةَ والعِقالَ ورَبْطَةَ العُنُقِ فأصْبَحُو شَخْصِيّاتٍ، وزُوِّرَتِ الشّهاداتُ، والعُقُودُ والسّرِقاتُ. وهكذَا، فَسَادُ البَرلمانيّينَ والبَرلمانيّاتِ، مِن خِرِّيجِيّ الإبْتِدائِي والإبتِدائيّاتِ -- حَصَلو على الحَقائِبِ والكراسِي بالمَالِ وقوّةِ السِّلاحِ وليالِيَ السَمَرِ والرَّشاوَى والرَّشَوَاتِ، وهذا وذاكَ وَذات، وتَعْلَمونَ ما هذا وذاكَ وذات
إذَنْ، عَرَبِيَّاً، يا سَادَة، غِيَابُ الحُرِّيَّةِ وخَاصَّةً حُرِّيَّةُ الفِكْرِ والتَّفْكِيرِ والحَيَاةِ والإِخْتِيَارِ يَنْتَهِيَ تِلْقَائِيَّاً وزَمَانِيَّاً إِلى غَسْلِ العُقُولِ بِمَاءِ الجَّهْلِ والأكاذيبِ، وفِي يَوْمِنَا هَذا، الإسْلامِ السِّياسِيِّ، وهُوَ أَشْبَهُ بِمَاءِ النَّارِ القَاتِلِ أَو النتريكِ المُذِيبِ لِلعُقُولِ والأَبْدَانِ
إذَن، فإنَّ الحُكّامَ مِنَ المَسيحيّينَ أو اليَهودِ أو المُسلِمينَ مِن أهْلِ الإعْتِدالِ والوَسَطيّةِ أو العَلْمانيّةِ والفَّصْلِ بَيْنَ الدِّينِ والسِّياسَةِ قَد نَجَحُو فِي خَلْقِ وتأسِيسِ مُجْتَمَعاتٍ تَفَخَرُ بِنَفْسِها وأوْطانِها وتَعيشُ بِسَلامٍ وَرَخاءٍ وإسْتِقْرارٍ
إذَنْ، كانَتْ "خَطيئَةُ" إحْتِلالِ الكُوَيتِ، والتي كانَتْ بِدايَةُ نِهايَةِ العِراقِ، خَطيئَةٌ قَدْ لا تُغْفَرَ لِصَدّامِ حسين "سِياسِيّاً،" وهُوَ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي قَرَارَةِ نَفْسِهِ لكِنَّ الكِبْرَ والكِبْرِيَاءَ لَهُمَا مِنَ الأَمْرِ الشَّيءُ الكثِيرُ. فَهُوَ، بِهذِهِ الزَّلّةِ التأريخيّةِ، قَدْ فَتَحَ بَابَ العِرَاقِ عَلى مِصْراعَيْهِ لِتَدْخُلَ مِنْهُ خَفافيشُ الظَّلامِ وتَتَغَذّى عَلى دِماءِ العِراقِيّينَ ودَمَارِ وادِي الرّافِدَيْنِ، وأعْطى عِمَامَاتِ إيرانَ، بِعِنادِهِ، فُرْصَةَ العُمْرِ فِي الإنْتِقامِ مِنَ العَرَبِ والعِراقِيّينَ والسَّيْطَرَةِ عَلى مَنْ يَستَطيعُونَ مِنْهُم، وإلى يَوْمِنَا!! ومِن أخْطاءِ صَدّام الأُخْرى أنَّهُ وَثِقَ بِبَعْضِ رُؤَسَاءِ العَرَبِ وأطْلَعَهُم عَلى أسْرارِ الدَّوْلَةِ العِراقيَّةِ وخاصَةً العَسْكَريَّةِ مِنْهَا، فَخانُوهُ وبَاعُو تِلْكَ المَعْلُوماتِ الحَسَّاسَةِ وحَصَلُو عَلى المَلايين مَعَ الهَدَايَا وإسْقاطِ الدّيُونِ! كذَلِكَ مِنَ الأخْطَاءِ أنَّهُ أعْطى لِعائِلَتِهِ وخَاصَةً إخْوَتِهِ القُسَاةِ والأشِدَّاءِ والفَاسِدِينَ وبَعْضِ مَنْ أحَبَّهم ومَنْ وَثِقَ بِهِم "أو ظَنَّ مُخْطِئاً أنَّهُ يَستَطيعَ الوُثوقَ بِهِم" سُلْطاناً وقُوَّةً وأصْبَحُو فِي مَواقِعِ السَيْطَرَةِ المُطْلَقَةِ وعَلى رأْسِ الوِزَاراتِ السِّيادِيَّةِ وأَقْدَارِ المُجْتَمَعَاتِ العِرَاقِيَّةِ، رَغْمَ تَعْلِيمِهِم المُتَوَاضِعِ أَو المَعْدُومِ وثَقَافَتِهِم التي لا أَسَاسَ لَهَا وإِنْحِطَاطِ مَا كانَ "البَعْضُ" عَلَيْهِ مِنْ مُسْتَوَيَاتٍ أَخْلاقِيَّةٍ وإِجْتِمَاعِيَّةٍ وقَضَاءِ أَوْقَاتِهِم سُكَارَى فِي أَحْضَانِ الرَّاقِصَاتِ والغَجَرِيَّاتِ، فَكانُو عَليْهِ وعَلى العِراقِ وَبَالاً ولَعْنَةً وكانُو مِنْ أسْبابِ إضْعَافِ سُلْطَانِهِ وسُقُوطِ الدَّوْلَةِ
أَربعينيَّاتُ الفّخْرِ والسِّيادَةِ والغِنَى والصِّناعَةِ والزِّراعَةِ والتَّعْلِيمِ والفنِّ والأَدَبِ والرَّخاءِ، رُقِيٌّ فِي كُلِّ الأَرْجَاءِ، والمَلْوِيَّةُ وسَامَرَّاءُ، بَغْدَادُ ورَوْعَةُ العِمَارَةِ فِي سِينَما الزَّوْراءِ، والعِراقيُّونَ فِي البُيُوتِ والمَعَابِدِ والكَنائِسِ والمَسَاجِدِ بِحُرِيَّةٍ يَتَعَبَّدُونَ، والكُلُّ أَقْسَمَ بالوَلاءِ - لِيَزْدَهِرَ الوَطَنُ والبِنَاءُ، والنَّاسُ سُعَدَاءُ، والكُلُّ يَحْلُمُ فِي البَقَاءِ، يَهودٌ أَشكِنازُ وسَفاردِيُّونَ ومِزرَاحِيمٌ شَرقِيُّونَ، ومُسْلِمُونَ طَيِّبُونَ أَو مُخْتَلِفُونَ، وصَابِئَةٌ أُصَلاءٌ ومَسِيحيُّونَ مُسَالِمُونَ -- سُومَرِيُّونَ وبَابِلِيُّونَ وآشُورِيُّونَ وهُم السُكَّانُ الأَصْلِيُّونَ -- وأَغْصَانُ البَانِ، والإيزِيديُّونَ عِراقيُّونَ فَرِحُونَ، فِي شِيخانَ عَرُوسِ نَيْنَوَى، ولالش وجَمَالُ الجِّبَالِ والوُدْيَانِ، والجَّبَلُ المَقْلُوبُ والحَجَرُ والتأرِيخُ والبُنْيَانُ، نَسِيمُ مَار مَتّى فِي سَهْلِ نَيْنَوَى، والقَلْبُ لِنَيْنَوَى يَهْوَى، رَغْمَ ذلِكَ فَهُنَاكَ أحْزَانٌ، لكِنِّي لَنْ أقِفَ عِنْدَهَا الآنَ، كَيْ أبْقَى فِي فَصْلِ الفَرَحِ والنِّسْيَانِ "رَغْمَ جَرائِمِ الفَرْهودِ التي سأتَحَدّثُ عَنهَا، ولاحِقَاً عَن أسْبابِهَا...،" وأُكْمِلُ فِي فُصُولِ الرُّقِيِّ والرَّيْحَانِ
أَصْوَاتٌ جَمِيلَةٌ تُشْفِي القَلْبَ ومَا فِيهِ مِنْ جُرُوحٍ...، عَفِيفَةُ إِسكَنْدَر وجَمَالُ عَيْنَيْهَا ولَمَعَانُ خَدَّيْهَا وقُوَّةُ صَوْتِهَا، وأَنْوَارُ عَبد الوَهَاب وحَنِينُهَا وأَمَل خضَيِّر ونَصِيبُهَا وفُؤاد سالِم وطُيُوفُهُ وقَحْطَان العَطَّارُ وزَمَانُهُ وصَبَاح السَّهل ولَيَالِيهِ وسَعْدُون جابِر وطُيُورُهُ ويَاس خِضِر وأَسْفَارُهُ وحَمِيد مَنصُور وسَلامُهُ وحسِين نِعْمَة ونَخْلُهُ ونَخِيلُهُ وغُرْبَةُ الرُّوحِ...، ومَوّالاتُ سَعْدِي الحِلِّي، وفاضِل عَوّاد الذي جَمَعَ بَيْنَ الفَنِّ والثَّقَافَةِ والرُّقِيِّ، والأَغَانِيَ والخَبَرُ والجَفِيَّةُ ولَمَّةُ الحِلْوَاتِ والجَّمَالُ السُّومَرِيُّ، ونَظَرَاتُ العُيُونِ البابِليّةِ، وحِلْوَة يالبَغْدَادِيَّة يَا أُمّ الخُدُودِ الوَرْدِيَّة، وصَوْتُهُ الجَّمِيلُ وهُوَ يَعْبُرُ مِنَ الكَرْخِ إلى الرُّصَافَةِ
أَصْوَاتٌ شَجِيَّةٌ ونَادِرَةٌ حُرِمَ العِرَاقِيُّونَ مِنَ الكَثِيرِ مِنْهَا بِسَبَبِ الغِيرَةِ الشَّخْصِيَّةِ والحُرُوبِ الفَنِّيَّةِ والعِصَابَاتِ السِّيَاسِيَّةِ والتَّهْدِيدَاتِ الأَمْنِيَّةِ، فَبَقِيَ مَنْ بَقِيَ وهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ وكُسِرَتْ الكَثِيرُ مِنَ القُلُوبِ النَقِيَّةِ
أَعُودُ إلى صَدّام حسين...، والعَرَبُ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنَ الذينَ خانُوهُ أو تآمَرُو عَليهِ قَدْ عَرَفُو قِيمَةَ مَا صَنَعَ بَعْدَ إنْهِيَارِ العِرَاقِ وإحْتِلالِ عِماماتِ إيرانَ لِبِلادِ العَرَبِ وتَشْوِيهِ المُجْتَمَعاتِ فِي العِراقِ وسُوريةَ ولُبنانَ واليَمَنَ وبَعْضِ المُحَاوَلاتِ فِي البَحْريْنَ والخَليجِ العَرَبِيِّ هُنَا وهُنَاكَ
إِلى حَسْناءٍ مُوصلِيَّةٍ بِشِفَاهٍ أَرْمَنِيَّةٍ ومَلامِحٍ يُونَانِيَّةٍ إِذْ كانَ فِيهَا حُسْنُ القَمَرِ، سَكَنَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا قُلُوبَ البَشَرِ، بِصَوْتٍ جَمِيلٍ كجَمَالِهَا فِي الإِبْتِسَامِ والنَّظَرِ، وشَخْصِيَّةٍ قَوِيَّةٍ وأُنُوثَةٍ عَمِيقَةٍ لَمْ تُقْهَرْ، هِيَ نَجْمَةُ الغِنَاءِ والسِّينما عَفِيفَة إِسْكَندَر
أمّا أخْطاءُ صَدّام حسين الإجْتِماعيّةُ فَقَد كانَتْ مَنْحَ الحُريّةِ الكامِلَةِ إلى إبْنِهِ عُدَي والذي بِغُرورِهِ كَخَليفَةٍ مُحْتَمَلٍ سَبَّبَ لأبيهِ وأيْضَاً لِأخيهِ قُصَي الصُّداعَ وأحياناً الغَضَبَ الشَّديدَ والإحْرَاجَ سَواءً مَعَ المُحيطينَ أو العَشائِرَ الذينَ كانُو يَغْضَبُونَ لِتِلْكَ التَصَرُّفاتِ الصِّبْيانيّةِ والعُدْوانيَّةِ خاصّةً قَسْوَةَ عُدَي على الرِّجالِ والتَّحَرُّشِ بالنِّساءِ وفَتَياتِ الجّامِعاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ أجْمَلَ النِّسَاءِ، وكانَ عُدَي يَفْعَلُ ما يَشَاءُ ودُونَ رادِعٍ أو رَقيبٍ، حَتّى تَمَّ "تَحْجِيمُهُ" أوَّلاً بِسَجْنِهِ بأمْرٍ مًباشَرٍ مِنْ أبِيهِ بَعْدَ أنْ قامَ بالإعْتِداءِ عَلى أحَدِهِم بالضَّرْبِ حَتّى المَوْتِ، ثُمَّ لاحِقَاً بِالإعْتِداءِ علَيْهِ بالرَّصاصِ لِيَهْدَأَ وتَهْدَأَ مَعَهُ الأُمُورُ
أمّا قُصَي، الإبْنُ القَويّ الهادِئ، فَقَد كانَ يُشْبِهُ أبَاهُ بِهُدُوءِهِ وشَجاعَتِهِ، وهُنَا عَلَيَّ أنْ أَضَعَ كَلِمَةَ هُدُوءٍ بَيْنَ قَوْسَيْنِ وخَطَّيْنِ، إذْ أنَّ حَفَلاتِهِ وعِلاقاتِهِ كانَتْ، كأَبِيهِ، مُحَاطَةً بالسِّريَّةِ ما أمْكَنَ ذلِكَ "رَغْمَ صُعُوبَتِهِ" ولَمْ تَكُنْ دائِمَاً عَلَنِيَّةً كَمَا هُوَ الحَالُ مَعَ أَخِيهِ عُدَي
أَمَّا هِتْلر فَكانَ يُفَكِّرُ فِي حُقولِ النَّفْطِ العِرَاقِيَّةِ والثَرَوَاتِ العَرَبِيَّةِ كما كُتِبَ ودُوِّنَ فِي العُقودِ الأوّليّةِ "المُسْوَدَّةِ" التي وُضِعَتْ فِي الدُّرْجِ وكانَتْ "تَنْتَظِرُ" نَجاحَ إنْقِلابِ الكيلاني ودُخولَ القُوّاتِ الأَلمانيَّةِ إِلى العِراقِ فِي خَيَالٍ مِنْ خَيَالاتِ هِتْلَرَ "كمَا سَمَّاهَا أَحَدُ جِنِرَالاتِهِ،" وَحَصَلَ الكيلاني مِنْ "زَعِيمِهِ" عَلى دَعْمٍ مالِيٍّ كبِيرٍ – هَديَّةٍ -- وبَعْدَ أشْهُرٍ قَليلةٍ، حَصَلَ الحُسَيْنِي عَلى مِثْلِها مِنْ أَجْلِ "تَحْريرِ القُدْسِ" مِنَ البِرِيطانِيِّينَ واليَهُود!! عُموماً، هِيَ الأقْدارُ وهُوَ النِّفاقُ وهِيَ العُقُولُ ومَا فِيهَا ومِنْهَا
أنَا أعْتَبِرُ، مَثَلاً، أنَّ هِتْلَر هُوَ مِنْ أشَدِّ الزُّعَماءِ إجْراماً فِي تأريخِنا المُعاصِرِ، فَلَو أجْرَيْتُ مَسْحَاً إجْتِماعِيَّاً وسِياسيَّاً للتأريخِ لَوَجَدْتُ مُجْرِمينَ وقَتَلَةً هُنَا وهُنَاك، وكُلٌّ لَهُ أَسْبابُهُ وأَوْهامُهُ الصَّغيرَةُ والكبيرَةُ، مِثْلَ هُولاكو الذي قَتَلَ أَهْلَ بَغْدادَ وأبْكى دِجْلَةَ وأَحْرَقَ بَغدادَ ومَعَهَا كُتُبَ السَّماءِ والأرْضِ...، إِلى ستالين الذي قَتَلَ وعَذَّبَ المَلايينَ فِي مُعَسْكَرَاتِ سيبِيريَا البَارِدَةِ وأُهْمِلُو ودُفِنُو فِي ثُلُوجِهَا لِتَكُونَ الأُمُّ الطَّبِيعَةُ الحَزِينَةُ والحَنُونُ، كالعَادَةِ، مَقْبَرَةً لِأَوْلادِهَا البَشَرِ الذينَ أَحْزَنُوهَا وأَتْعَبُو قَلْبَهَا...، إلى تشِرشِل الذي عَشِقَ الخَمْرَ والسِّيكَارَ والقَتْلَ كمَا كرِهَ العِرَاقَ وألمانيَا وأيرلندا. فَقَتَلَ عَشَائِرَ العِرَاقِ بالغازِ فِي العِشرينيَّاتِ. وأحْرَقَ مُدُنَ أيرلندا الثَّائِرَةَ وجَوَّعَ وقَتَلَ أهْلَهَا، ومَحَى بِحِقْدِهِ وجُنُونِهِ الأَجْيَالَ، فَقَط، لأنَّهُم أرادُو الحُريَّةَ والكرامَةَ والإسْتِقْلالَ. وأَصَرَّ عَلى الإِسْتِمْرَارِ فِي تَدْمِيرِ مُدُنِ أَلمانيَا وقَتْلِ أَو "مُعَاقَبَةِ" سُكَّانِهَا وسَاكِنِيهَا رَغْمَ هَزِيمَةِ الجَّيْشِ الأَلمانِي وإِسْتِسْلامِ الكثِيرِ مِنْ مُدُنِ وقُرَى أَلمانيَا بِشَكْلٍ كامِلٍ أَو شُبْهِ كامِلٍ. لكِنَّ هِتْلَر قَتَلَ المَلايينَ بأجْسادِهِم وأرْواحِهِم وآمالِهِم، فَقَدْ قَتَلَ اليَهُودَ الأَلمانَ والأُوروبِّيينَ مِنَ الأَبْرياءِ والعُلَماءِ والأَطِبَّاءِ، والمُدَرِّسِينَ والمُهَنْدِسينَ وأَرْقى الفَنَّانينَ والمُخْرِجِينَ والمُبْدِعِينَ والرَّسّامينَ والأُدَبَاءِ، وأيْضاً أفْضَلَ عازِفِي المُوسِيقى عَلى الإطْلاقِ، وحَتّى مَنْ كانَ مِنْهُم مِنْ أَصْدِقائِهِ والأَقْرِبَاءِ! وقَتَلَ ذَوِي الإحْتِياجاتِ الخاصَّةِ والمَرْضى والفُقَرَاءَ، وذَوِي الإِضْطِرَابِ الإِجْتِمَاعِيِّ والخَوْفِ المُجْتَمَعِيِّ لِيُحافِظَ عَلى خَزِينَةِ الدَّوْلَةِ مِنْ "شَرِّ" الإِسْرَافِ وضَيَاعِ المَالِ عَلى الغِذَاءِ والدَّوَاءِ والعِلاجَاتِ و "التَّفَاهَاتِ" والسُّلالاتِ التي لا "جَدْوَى" مِنْهَا، وأَيْضَاً لِلحِفَاظِ عَلى الجُذُورِ الأَلْمانِيَّةِ والذُريَّةِ الآرِيَّةِ وسُلالَتِهِ النَقِيَّةِ والحِفَاظِ عَلَيْهَا مِنَ الإِنْحِرَافِ والتَّشْوِيهِ والتَّغْيِيرِ كمَا قَالَ -- رَغْمَ أنَّهُ مَريضٌ بإِضْطِرابٍ عَقْلِيٍّ، وتَنَاوَلَ "وحَتّى الدَّقَائِقَ الإَخِيرَةَ الكثِيرَ والمُفَصَّلَ مِنَ العَقَاقِيرِ والعِلاجَاتِ والمُسَكِّنَاتِ والمُخَدَّرَاتِ فِي بِدَايَاتِهَا" ولَهُ سِجِلٌّ مُفَصَّلٌ بِهذَا! وقَتَلَ مُعارِضِيهِ مِنَ المَسِيحيّينَ والمُسْتَقلّينَ والشُيوعيّينَ والمُخالِفينَ مِنَ السِّياسِيِّينَ، وقُتِلَ بِسَبَهِ آلافُ المُسْلِمينَ مِنَ المُقاتِلينَ الذينَ دَفَعَ بِهِم المُنافِقُ أمينُ الحُسَيْنِيّ مُفْتِي القُدْس "وَقُودَاً" لِيُقْتَلُو فِي سَبيلِ تَحْريرِ القُدْسِ
إنَّمَا أَحَبَّ النَّاسُ والكَوْنُ بِلادَنَا وعَرَفُوهَا بِحَمُّو رَابِي وشَرِيعَتِهِ التأرِيخِيَّةِ، وأُور نَمُّو وسُلالاتِهِ وشَرِيعَتِهِ الأَصْلِيَّةِ، وبَوَّابَةِ عِشْتَارَ بِأَحْجَارِهَا وأَلْوَانِهَا الزَهِيَّةِ، والمَلِكُ الحَبِيبُ فَيصَل الثَّانِي والرُّقِيُّ والمَقَامُ والمَلَكِيَّةُ الدُّسْتُورِيَّةُ، وزَهَا حَديد وتَصَامِيمِهَا البَهِيَّةِ، ومَعَارِضِ الجَمِيلَتَيْنِ لَيْلَى وسُعَاد العَطَّارِ والجَوَائِزِ الدُوَلِيَّةِ، وفَرَاشَةِ البَصْرَةِ سِيتَا هاكُوبيَان وأَغَانِيهَا فِي الحُبِّ والغَرَامِ والشَّوْقِ والرُّومَانسيَّةِ، وإِبْنَةِ البَصْرَةِ الرَّاقِيَةِ فِكتُوريَا نُعْمَان المُحَامِيَةِ والإِذَاعِيَةِ، وكُرَةِ القَدَمِ والبُطُولاتِ الدُّوَليَّةِ، والهُوسَاتِ والأَهَازِيجِ الشَّعْبِيَّةِ، والرَّقَصَاتِ العِرَاقيَّةِ، وحِسَانِ الشَّعْرِ الغَجَرِيِّ الأَحْمَرِ بِشِفَاهٍ وَرْدِيَّةٍ وعُيُونٍ عَسَليَّةٍ وأَجْسَادٍ مُخْمَلِيَّةٍ يَرْقُصْنَ كالفَرَاشَاتِ الرَّبِيعِيَّةِ، والمَطْبَخِ العِرَاقِيِّ والكَبَابِ والبِرْيَانِي والفَلافِلِ والعَمْبَةِ والدُّولمَةِ والمَأْكُولاتِ الهَنِيَّةِ، والسِّنْدِبَادَ وعَلِي بَابَا وبَغْدَادَ والبَصْرَةِ والحِلَّةِ والنَّاصِرِيَّةِ، وكِسْرَى والذِّكْرَى والقَادِسِيَّةِ، وحِكَايَاتِ الحُبِّ البَابِلِيَّةِ والشَّجَاعَةِ السُّومَرِيَّةِ، والأُصُولِ الآشُورِيَّةِ، وجَيسيكا مَائير "الشَّابَةُ الجَّمِيلَةُ ورَائِدةِ الفَضَاءِ وعَالِمَةِ الأحْيَاءِ البَحْرِيَّةِ والعَالِمَةِ الفِيزيَائِيَّةِ، وفِي أَيَّامِنَا واليَوْم هِيَ فَخْرٌ لَنَا فِي الأَبْحَاثِ الفَضَائِيَّةِ،" ومَرْكَزِ العُلُومِ فِي البَصْرَةِ فِي السَبعِينيَّاتِ وأَبْحَاثِهِ البَحْرِيَّةِ، وشَارِعِ المُتَنَبِّيَ واحَةِ الفَنِّ والأَدبِ والكُتُبِ والأَذْوَاقِ الرَّاقِيَةِ، وشَارِعِ الرَّشِيدِ وسَاحَاتِ بَغْدَادَ والنَّظَافَةِ فِي العُصُورِ المَاضِيَةِ، وسُوقِ السَّرَايَ والتأرِيخِ والمَحَلاَّتِ والأَنْتِيكَاتِ والذِّكْرَيَاتِ، وكَنَائِسِ نَيْنَوَى ومَارِ مَتَّى ويُونَانَ والمَعَابِدِ والزَّقُّورَاتِ، والقَوْمِيَّاتِ والطَّوَائِفِ والأَدْيَانِ والدِّيَانَاتِ، وبَابِلَ القُوَّةِ والعِلْمِ وأُورَ وبَيْتِ إِبْرَاهِيمَ وسَارَةَ والأَدْيَارِ والأَدْيِرَةِ ودُورِ الرَّاهِبَاتِ، ونِسَاءِ العِرَاقِ فِي الفَنِّ والإِعْلامِ والتَّعْلِيمِ والسِّيَاسَةِ والطَّيَرَانِ وقِيَادَةِ الطَّائِرَاتِ والعَرَبَاتِ، مَنْ كُنَّ قَبْلَ إِنْهِيَارِ 2003 ومَا تَلاهَا فِي الصَّدَارَةِ العَرَبِيَّةِ وأَوَّلَ مَا كانَ وكُنَّ ويَكُونَ، ولا زَالَ الأمْرُ هَكذا
إِنَّهَا كُلِيَّةُ بَغْدَادَ، يَا سَادَة، كُلِيَّةُ بَغْدَادَ -- مَدْرَسَةٌ جَامِعَةٌ تَجِدَ فِيهَا كُلَّ شَيءٍ وكُلَّ أَصْنَافِ البَشَرِ، وهُمْ أَجْمَلُ وأَحْلَى وأَرْقَى البَشَرِ، طُلاّبُهَا الأَكْثَرُ وَسَامَةً وشَغَبَاً وطِيبَةً وذَكاءً وعِلْمَاً ومَرَحَاً وفَرَحَاً وغِنَاءً ورَقْصَاً ومَقَالِبَاً وعِشْقَاً للنِّسَاءِ وحُبَّاً لِلحَيَاةِ... تَرْكِيبَةٌ نَادِرَةٌ جَمِيلَةٌ عَجِيبَةٌ غَرِيبَةٌ، فِيهَا مَنْ يَخْجَلُ مِنْ نَفْسِهِ وخَيَالِهِ ويَخَافُ النِّسَاءَ ويُصَلِّيَ، وفِيهَا مَنْ فِي حَقِيبَتِهِ أَجْمَلُ وأَحْدَثُ أَفْلامِ ال "بُورنُو" الأَمْرِيكيَّةِ والأَلْمَانيَّةِ والعَرَبِيَّةِ، ونِسَاءَ الأَرْضِ والسَّمَاءِ يُلاحِقُ ويُمَلِّيَ ... رَحَلاتُهَا وبَاصَاتُهَا تَحْدُثُ فِيهَا أَحْلَى وأَجْمَلُ القِصَصِ والمَوَاقِفِ والأَغَانِيَ والهُوسَاتِ والأَهَازِيجِ والأَسْرَارِ الخَفِيَّةِ، هِيَ هَكذا، والحَيَاةُ فِيهَا كالسِّحْرِ، هِيَ كذَلِكَ، حَيَاةٌ خَاصّةٌ أَشْبَهُ بِالدَّوْلَةِ العَمِيقَةِ... لَمْ ولَنْ تُوجَدَ إلاّ فِي ثَانَوِيَّةِ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ، فِي زَمَانِ بَغْدَادَ، عِنْدَمَا "كانَتْ" فِي زَمَانٍ مَا... كُلِيَّةُ بَغْدَادَ
البَرَامِجُ التِّلْفِزيُونِيَّةُ، إستراحَةُ الظَّهيرةِ مَعَ محمّد وأَمَل ومَقَالِبُ الحُبِّ، مُوسِيقَى هارُوت بامبُوكجيان ورَوْعَةُ النَّغَمَاتِ الأَرْمَنِيَّةِ، والكوميديا والنَّقْدُ الهادِفُ دُونَ عَتَبٍ، والنِّسْرُ وعُيُونُ المَدينَةِ والإِبْدَاعُ فِي الدرَامَا العِرَاقِيَّةِ، حُسْنِيَّة خاتُون وكَمْرَة ورِجَب، أَيَّامُ الإجازَةِ مَعَ شَايِ النِّعْنَاعِ فِي القُورِي الفَرْفُورِي، إِمّْا المُسَلْسَلُ أَو التَّمْثِيلِيَّةُ أَو الكومِيديا العائِليَّةُ، أَو فِلْمُ السَّهْرَةِ ثُمَّ السَّلامُ الجُمْهُورِيُّ، والمَحْبُوبُ عِزّي الوَهاب يَبْتَسِمَ للجَّميعِ ويَجْتَهِدَ ويُتَرْجِمَ ويَكْتُبَ مَسْرَحِيّاتِ الأطْفالِ وأصْدِقاءَ المَزْرَعةِ، والمَزْرَعَةُ لَهَا أحْبابٌ وأصْدِقاءٌ والكُلُّ لَهَا مُحِبٌّ، مَسْرَحِيَّاتُ الأطْفَالِ وإبْداعُ أحْلام عَرَب، عارِضَاتُ الأزْياءِ وزَيُّونَةُ، هُنَّ مَصْلُ الجَمَالِ وأصْلُ الدَّلالِ، والجَمَالُ فِي عُيُونٍ عِراقِيَّةٍ شَرْكسِيَّةٍ
بَغْدَادُ والمَحَلاَّتُ والأَزِقَّةُ الشَّعْبِيَّةِ، والشَّوَارِعُ والأَسْوَاقُ والأَحْيَاءُ والرَّاقِيَةُ، بَاتَا والقِيثَارَةُ وعَلاءُ الدِّينِ والصِّنَاعَاتُ والجَّوْدَةُ العِرَاقِيَّةُ، المُتْحَفُ البَغْدَادِيُّ والآبَاءُ والأَجْدَادُ وأَهْلُ النَّقَاءِ والخَيْرِ، والهُدُوءُ مَعَ الزِّحَامِ والهَدِيرِ والصَّفِيرِ، العَلاوِي والنَّهْضَةُ ومَكْتَبَاتُهَا والتَّحْرِيرُ، شَارِعُ المُتَنَبِّيَ ولِقَاءُ الفَنِّ مَعَ العِلْمِ والتَّعْلِيمِ والأَدَبِ، والمَكْتَبَاتُ والكُتُبُ النَّادِرَةُ فِي الوُجُودِ، فِي الشِّعْرِ والمُوسِيقَى والتأرِيخِ والسِّيَاسَةِ وعِلْمِ الإِجْتِمَاعِ والقِصَّةِ والرِّوايَةِ والحُبِّ، مَنْ زَارَهُ زَارَ بَغْدَادَ، ومَنْ فَاتَهُ لا أَكَلَ مِنْ جَمَالِ بَغْدَادَ ولا شَرِبَ. مَقْهَى الشَّابَندَر فِي كلِمَاتٍ... جَمَالٌ وثَقَافَةٌ وتأريخٌ فِي رُقِيِّ الآبَاءِ والأَجْدَادِ والأَحْفَادِ وأَصَالَةِ العِبَادِ وأَصْلِ البِلادِ. الشُّهَدَاءُ والسِّنَكُ والرَّشِيدُ والفَضْلُ والبَتّاوِيّينَ والدَرَابِينُ، والدَّرْبُونَةُ "أَو الدَّرْبُ الصَّغِيرُ أَو دَرْبُ أَبُونَا" والبِنَاءُ الأَصِيلُ والذِّكْرَيَاتُ والبُيُوتُ اليَهُودِيَّةُ الجَّمِيلَةُ وتُرَاثُ العِرَاقِيِّينَ مِنَ اليَهُودِ -- يَهُودُ العِرَاقِ مَنْ أَحَبَّ الأَرْضَ وبَنَى البِلادَ وأَغْنَاهَا فَأَغْنَى مَعَهَا العِبَادَ. الدُّورَةُ وحَيُّ المِيكانِيكِ والأَزْهَارُ والوُرُودُ المَسِيحِيَّةُ -- الآشُوريُّونَ أَصْلُ العِبَادِ وأَوَّلُ مَنْ سَكَنَ البِلادَ وأَسَّسُو سَلامَهَا وحَضَارَتَهَا ولِلعَالَمِ أَظْهَرُوهَا بِرَويَّةٍ
تَأْمِيمُ النَّفْطِ كانَ العُنْوَانُ، فَرَقَصَتْ عَرُوسُ الرُّمِيلَةِ سِتَا هاكُوبيَان، وطَارَتْ الحَمَامَةُ بِغُصْنِ الزَّيْتُونِ وحَلَّقَتْ أَغْصَانُ البَانِ، وسَارَ قِطَارُ الزَّمَانِ، والأَغَانِيَ والأَلْحَانُ، والرَّخَاءُ والإزْدِهَارُ والغِنَى والمَصَانِعُ والغِذَاءُ والدَّوَاءُ والشَّرِكَاتُ المَحَلِّيَّةُ، وعلامَةُ "صُنِعَ فِي العِرَاقِ" هِيَ الأُولَى بِجَوْدَتِهَا فِي الشَّرْقِ والدُّوَلِ العَرَبيَّةِ، والتَّأْمِينُ الصِحِّيُّ لِكُلِّ أُسْرَةٍ عِرَاقيَّةٍ، والتَّعْلِيمُ فِي قِمَّتِهِ ومَشَارِيعُ مَحْوِ الأُمِيَّةِ، والعِرَاقُ هُوَ الأَفْضَلُ فِي تَعْلِيمِ أَبْنَائِهِ وبَنَاتِهِ بِكُلِّ الفِئَاتِ العُمْرِيَّةِ، وأَبْنَاؤُهُ رُقَاةٌ رَاقُونَ فَخُورُونَ بِهَذِهِ الأَرْضِ الزَهِيَّةِ البَهِيَّةِ، والكِتَابُ يَطِيرُ بِجَنَاحَيِّ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنَ المَدِينَةِ إلى الجِبَالِ والتِلالِ والقُرَى والنَّواحِيَ لِيَصِلَ إلى الأَكْثَرِيَّةِ والأَقَلِيَّةِ... بَلْ وحَتّى الأَهْوارِ بِسِحْرِهَا وطُيُورِهَا وجِنَانِهَا المَائِيَّةِ، فَكانَ عِرَاقُ السَبعِينيَّاتِ هُوَ الأَرْقَى فِي الشَّرْقِ ومِنْ أَفْضَلِ عِشْرينَ دَوْلَةٍ فِي الأَرْضِ فِي العِلْمِ والتَّعْلِيمِ والأُسُسِ التَّرْبَويَّةِ
تَصَوَّرْ أنْ تَنْهَارَ أرْضٌ كُتِبَتْ فِيهَا شَرِيعَةُ حَمُّورابِي أقْدَمُ الإكْتِشافاتِ القانُونيَّةِ فِي تأريخِ البَشَرِ والقَوانينِ المَدَنِيَّةِ المَكْتُوبَةِ، بَعْدَ قَوانِينِ الملكِ لبت عِشْتَار "وتَعْنِي لَمْسَةُ الآلِهَةِ عِشْتَار" وسُومَرَ فِي بابِلَ وديالى وشَرْقِ بَغْدادَ، فِي مَسَلَّةٍ سُنَّتْ فِيهَا وعَلَيْهَا 282 شَرِيعَةٌ مِنْ القَضاءِ والجَّيْشِ وحُقُوقِ النَّاسِ والجِّيرَةِ والجَّارِ، وحِمَايَةِ الدَّارِ، والحُقُولِ والزِّراعَةِ والبَسَاتينِ والرَّيِّ والتَّصامِيمِ والمِياهِ والبَيْعِ والأسْعارِ، والتَّسْعِيرِ والتِّجَارَةِ والسَّرِقَاتِ والعُقُوباتِ...، وسُرِقَتْ ونُقِلَتْ مِنْ بابِلَ العِراقِيَّةِ إلى عِيلامِ الفارِسيَّةِ بَعْدَ غَزْوِ بابِلَ "والتأريخُ يُعيدُ نَفْسَهُ ولا عَجَبَ فِي هذا!" لِيَتِمَّ إكْتِشافُهَا وإنْقاذُهَا واليَوْمَ هِيَ فِي مُتْحَفِ اللُّوفَر فِي بارِيس، وأجْزاءٌ أُخْرَى فِي مَتَاحِفِ أسطَنبُولِ والقُدْسِ -- وعِنْدَمَا دَرَسْتُ الإدَارَةَ فِي ألمانيا أُعْجِبَ الجَّمْعُ وتَعَجَّبَ مِنْ عَشَراتِ القَوانينِ التي كٌتِبَتْ وسُنَّتْ بِعَدْلٍ ودِقَّةٍ، وكُنْتُ فَخُوراً بِذَلِكَ، إذْ كانَتْ بِلادِي
تَصَوَّرْ أنْ تَنْهارَ نَيْنَوَى العَظيمَةُ وسُلالَةُ سُرْجُونَ ومُلُوكِ آشُورَ ومَلِكِ الحَرْبِ والسَّلامِ سَنْحاريب! تَصَوَّرْ أنْ تَنْهَارَ أرْضُ مَلِكَةِ الكَوْنِ سَميرأميس حَسْناءِ آشُورَ وحَمَامَةِ النَّهْرَيْنِ دِجْلَةَ والفُرَاتِ وبابِلَ وأرمِينيا وفارِسَ وكُلِّ الشَّرْقِ وكانَ رِضَاهَا أمَلُ كُلِّ حَبِيبٍ! أنْ تَنْهَارَ بَقَايَا بَوَّابَةِ عِشْتارَ التي إكْتَشَفَ أحْجَارَهَا الأصْلِيَّةَ عُلَماءُ بَرْلينَ، لِتُحْفَظَ فِيهَا فَيَراهَا البَعِيدُ والقَرِيبُ! أنْ تَنْهَارَ بابِلُ التي ذُكِرَتْ فِي الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وبِدَايَاتِ البَشَرِ وأوَّلُ بُرْجٍ فِي سِفْرِ التَّكْوِين! أنْ تَنْهَارَ حَدائِقُ بابِلَ بِجَنائِنِهَا المُعَلَّقَةِ التي بَناهَا ملكُ بابِلَ وكِلْدَانَ نبُوخذنصّر الثّانِي "بانِي بَوَّابَةِ عِشْتارَ إهْداءً لِبابِلَ" لإرْضاءِ زَوْجَتِهِ الفارِسيَّةِ الحَسْناءِ التي كانَتْ تَبْكِي شَوْقاً إلى جِبالِ فارِسَ وجَمَالِ حَدَائِقِهَا العَالِيَةِ -- وعِنْدَمَا دَرَسْتُ الماجِسْتيرَ فِي ألمانيا وما قَبْلَهَا وبَعْدَهَا وحَلَّقْتُ فِي التأريخِ واللاهُوتِ والحَضاراتِ والسِّياسَةِ وعِلْمِ الإجْتِماعِ الثَّقَافِيِّ والعِمَارَةِ تَوَقَّفْتُ والبروفيسُورُ الألمانِيُّ طَويلاً فِي رَوْعَةِ الحَدَائِقِ وخَرَائِطِهَا الأصْلِيَّةِ، ودِقَّةِ العِمَارَةِ والتَّصَاميمِ الهَنْدَسِيَّةِ، فِي نِظامِ الرَّيِّ والإرْواءِ والعَبْقَريَّةِ، ونَقْلِ المِيَاهِ وإنْسِيابِهَا بِدِقَّةٍ مِنْ مُخْتَلِفِ المُسْتَوَياتِ، رَغْمَ صُعُوبَاتِهَا ورَغْمَ المِيَاهِ والضُغُوطِ والحِسَاباتِ، فَجَعَلَتْ مِنْهَا تُحْفَةً مِعْمَاريَّةً ومِنْ عَجائِبِ العالَمِ القَديمِ، وكُنْتُ فَخُوراً بِذَلِكَ، وفَخُوراً بأرْضِ أجْدادِي
ثَانَوِيَّةُ كٌلِيَّةِ بَغْدَادَ... مَنْ تَخَرَّجَ مِنْهَا كانَ مِنَ الرُّقَاةِ المُتَفَوِّقِينَ، أَو سَافَرَ وهَاجَرَ وذَابَ مَعَ المُجْتَمَعَاتِ والأَحْوَالِ والسِّنِينَ، فِيهَا مَنْ يَهْوَى القِرَاءَةَ والأَدَبِ، وفِيهَا مَنْ يَعِشَقُ قِلَّةَ الأَدَبِ، وفِيهَا مَنْ يَهْوَى الإِثْنَيْنِ، وجَدِّي مِنْ آخِرِ الفَرِيقَيْنِ، وإِنْتَعَشَ فِيهَا العِلْمُ والشِّعْرُ و "الرَّسْمُ" والفَنُّ والأَدَبُ، وإِنْتَعَشَتْ فِيهَا الرِّيَاضَةُ والمَوَاهِبُ المُوسِيقِيَّةِ والرَّقْصُ والطَّرَبُ، كمَا إِنْتَعَشَ فِيهَا أَيْضَاً تَبَادُلُ الأَفْلامِ "الإِبَاحِيَّةِ" بِالُّلغَةِ الفُصْحَى أَو الأَفْلامِ "السِّكْسِيَّةِ" بِلُغَةِ "شَعْبِ" كُلِيَّةِ بَغْدَادَ العَاشِقِ والمُحِبِّ، وأَصْبَحَ هُنَاكَ طالِبٌ مِنْ كُلِّ ثَلاثَةِ طُلاَّبٍ يَحْمِلُ فِي حَقِيبَتِهِ - عَلى الأَقَلِّ - فِلْمٌ أَو إِثْنَيْنِ -- إِحْصَائِيَّةٌ رَسْمِيَّةٌ!! هُوَ الأَمْرُ هكذَا، هِيَ ثَانَوِيَّةُ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ، وهُم طُلاّبُهَا، الأَجْمَلُ والأَرْقَى والأَنْقَى والأَحْلَى والأَذْكَى والأَشْقَى فِي عَالَمِ الإِنْسَانِ والوُجُودِ والبَقَاءِ... "كُوكتِيلٌ" وخَلِيطٌ نَادِرٌ ومُقَدَّسٌ بَيْنَ الأَرْضِ والسَّمَاءِ! إِنَّهَا كُلِيَّةُ بَغْدَادَ، يَا سَادَة، كُلِيَّةُ بَغْدَادَ
حَسْناءُ الفَنِّ والرَّقْصِ لَيلَى محمَّد سَكَنَتْ القُلُوبَ تارَةً بِحُسْنِهَا وتارَةً بِدَلالِهَا بَيْنَ الرَّقْصِ والإِغْرَاءِ والأُنُوثَةِ والحَيَاءِ، أَمِيرَةُ جَمَالٍ ودَلالٍ، وجَمَالُهَا هَدِيَّةٌ مِنَ السَّماءِ والرَّبِّ، لَهَا إِبْتِسَامَةٌ تَأْسِرُ الرَّجُلَ فِي لَحَظَاتٍ، ونَظْرَةٌ لَهَا مَا لَهَا مِنْ هَمَسَاتٍ... ولا كَلِمَاتٍ...، هُدُوءُ غازي فيصَل وصَوْتُ مِقداد مُرَاد وأدَبُ نِهاد نَجِيب، عَدَسَةُ الفَنِّ وخيريّة حَبيب، الفَطُورُ والبَيْضُ والعَسَلُ والحَلِيبُ، الغَدَاءُ جاهِزٌ مَعَ الرُّزِّ والدَّجاجِ والتّشْرِيبِ، والعَشَاءُ صِحِيٌّ خَفيفٌ مَعَ العَصِيرِ والزَّبِيبِ، خَليل الرِّفَاعِي وأَبو البَلاوي، والخَيْطُ والعُصْفورُ والمَسْرَحِيَّاتُ الكُوميديَّةُ، وأوَّلُ مَقْهَىً نِسَائِيٍّ للقِراءَةِ وإغْنَاءِ العُقُولِ النِّسَائيَّةِ، أعيادُ المِيلادِ وفَرَحُ الكنَائِسِ العِرَاقِيَّةِ، رأسُ السَّنَةِ والأضْواءُ والألوانُ البَهِيَّةُ، ليالِي رَمَضانَ والمُسَلْسَلاتُ التِلْفِزيُونيَّةِ، والله بالخير وتِدّلَّل عيوُني، والأَصْدِقَاءُ والأَصْحَابُ والرِحْلاتُ الجَّمَاعِيَّةُ، والسَّفْرَاتُ والسَيَّارَاتُ والتُويُوتَا والمَرسِيدس والبَرَازِيلِي
الدَّلَعُ والجَّمَالُ مَعَ الدَّلالِ والمُوسِيقَى والمَسْرَحِيَّاتِ الغِنَائِيَّةِ والإِسْتِعْرَاضِيَّةِ، غَالِيَةُ والمَهَا، أَطْرَافُ المَدِينَةِ والحَسْنَاءُ لَيلَى محمّد بِجَمَالِهَا ودَلالِهَا ورَقْصِهَا، وبَعْدَهَا غِزْلانُ وشَعْرُهَا الغَجَرِيُّ تَرْقُصُ وتُغَنِّي رَوَائِعَ سَعْدِي الحِلِّي فِي مَسْرَحِيَّةٍ أُخْرَى...، الشَّبَابُ والحَيَاةُ والسَنَوَاتُ والأيَّامُ والطُّفُولَةُ والمُرَاهَقَةُ الشَقيَّةُ
رَغْمَ ذَلِكَ بَقِيَ الكَثِيرُ مِنَ اليَهُودِ عَلى قَيْدِ الحَيَاةِ لِأَنَّ اللهَ أَرَادَ ذَلِكَ -- عِلْمَاً إِنَّ الكَثِيرَ مِنْهُم كانَ قَدْ أَعْلَنَ نُكْرَانَهُ لِلرَبِّ والدِّينِ بِسَبَبِ الظُّلْمِ والقَهْرِ والقَتْلِ والعَذَابِ والإِهَانَاتِ، والقَوَانِينِ العُنْصُرِيَّةِ والتَّفْرِيقِ وتَدْمِيرِ الزِّيجَاتِ والعَائِلاتِ، وسَلْبِ البُيُوتِ والثَّرَوَاتِ والمُمْتَلَكاتِ والكرَامَاتِ والجِّنْسِيَّاتِ، وحَرْقِ المَعَابِدِ وآلافِ النَّادِرِ والرَّائِعِ مِنَ الكُتُبِ والمُؤَلَّفَاتِ، -- لأَنَّ اللهَ نَسِيَ شَعْبَهُ مَرَّةً أُخْرَى كمَا قِيلَ وكُتِبَ. وإِسْتَمَرَّ الكَثِيرُ مِنْهُم فِي الصَّبْرِ وقُبُولِ الأَقْدَارِ الصَّعْبَةِ وعَمِلَ بِجِدٍّ وصَبْرٍ وصَنَعَ التُّحَفَ ورَسَمَ الجِّدَارِيَّاتِ وأَلَّفَ الكُتُبَ والمُوسِيقَى - وكَثِيرٌ مِنْهَا ومِن إِبْدَاعَاتِهِم لا زَالَتْ فِي مَتَاحِفِ أَلمانيَا والدُّوَلِ الأُوروبِيَّةِ، والأَكْثَرُ مِنْهَا نُشِرَ وأُذِيعَ لِلبَشَرِ
سُعَادُ العمريّ حَسْناءٌ لَهَا شِفَاهٌ وقَوَامٌ وعَيْنَانِ، سُبْحَانَ الخَالِقُ الجَّمِيلُ المَنَّانِ، هِيَ مِنْ أَرْضِ الموصِلِ والجِّنَانِ، سُعَادُ، مَلاكٌ بِوَجْهٍ جَمِيلٍ دَاعَبَهُ هَوَاءُ المُوصلِ ونَسِيمُ إِسْطنبُولَ، أَمِيرَةٌ مُوصِليَّةٌ، حَسْنَاءٌ عِرَاقِيَّةٌ، مِعْمَارِيَّةٌ تُركِيَّةٌ "لَيْدِي" وأُنْثَى وسَيِّدةٌ حَقِيقِيَّةٌ، رَائِعَةٌ كأَبِيهَا، هُوَ جَعَلَ العِرَاقَ رَاقٍ كَأَفْكارِهِ، وهِيَ جَعَلَتْ بَغْدَادَ جَمِيلَةً كَعَيْنَيْهَا، أَثْبَتَ الرَّبُّ فِيهَا إِنَّ نِسَاءَ المُوصلِ هُنَّ النِّسَاءُ، كُلُّ النِّسَاءِ، وهُنَّ الأَجْمَلُ بَيْنَ النِّسَاءِ، وأَنَّ اللَّهْجَةَ المَصْلاوِيَّةَ هِيَ الأَحْلَى بَيْنَ لَهَجَاتِ الأَرْضِ والسَّمَاءِ -- فَاللَّهْجَةُ التُّونِسيَّةُ، مَثَلاً، بِالنِسْبَةِ لِي، هِيَ مُوسِيقَى وهَمَسَاتٌ، واللَّهْجَةُ السُّورِيَّةُ أَنْغَامٌ ونَغَمَاتٌ، لكِنَّ اللَّهْجَةَ المَصْلاوِيَّةَ إِحْتَارَ فِي جَمَالِهَا وحَلاوَتِهَا مُوريكوني ومُوتسارت، فَسَكنَتْ القُلوبَ والأَفْئِدَةَ -- سُعَادُ أَرشَد العمريّ، كانَتْ فِي عَصْرٍ هُوَ الأَجْمَلُ بَيْنَ العُصُورِ، كانَتْ فِي نَيْنَوَى حُورِيَّةٌ بَيْنَ الحُورِ، وفِي نَيْنَوَى وُلِدَتْ حُورِيَّاتُ البَحْرِ والبُحُورِ، هكذَا حَكَى التأريخُ وقَالَ، ومَعَهُ قَالَ الزَّمَانُ المَأْثُورُ
سَلِيمَة مُرَادُ ومحمّد القبانجي ويُوسف عُمَر، هَيْفَاءُ حسين وزُهُور، وسِحْرُ الأغانِيَ والمَقامَاتِ فِي غَزَلِ بَدْرِ البُدُورِ -- جي مالي والي وجَمَالُ لَحْنِهَا وأَلْحَانِهَا وتَعْنِي "لأَنِّي بِدُون والِي أَو أَنَا بِلا سَنَدٍ أَو حَامٍ،" قلبَك صَخَر جَلمُود، وِنْ يَا قلَب، فراقهم بَجَّانِي، خَدْرِي الجَّاي "الشَّايَ" خَدْرِي، هَاجن جنُونِي لِولفي ودُّوني، يَا حِلو يَا بُو السِدارَة، ورَائِعَةُ عَفاكي عَفاكي عَلى فند العمَلتِينو، وبزرنگوش
السَيِّدَةُ سُعاد البستاني، فَخْرُ المُجْتَمَعَاتِ المُوصِلِيَّةِ والعِرَاقِيَّةِ والعَرَبيَّةِ، بَاحِثَةٌ وأُسْتَاذَةٌ جَامِعيَّةٌ، وَزِيرَةُ التَّعْلِيمِ العَالِي والبَحْثِ العِلْمِي فِي الحُكُومَةِ العِرَاقِيَّةِ، خِرِّيجَةُ الجَّامِعَةِ الأَمْيرِكيَّةِ، فِي التَّرْبيَةِ وعِلمِ النَّفْسِ والعُلُومِ الإجْتِمَاعِيَّةِ، والِدُهَا خَلِيل البستاني كانَ وَزِيرَاً فِي عَهْدِ الرُّقِيِّ والرُّقَاةِ فِي المَمْلَكةِ العِرَاقِيَّةِ، وزَوْجُهَا الطَّبِيبُ داوُد سَلمَان رَئِيسُ الجَّامِعَةِ المُسْتَنصِريَّةِ، عَمِيدُ كُليَّةِ الطِّبِّ، ورَئِيسُ الدَّائِرَةِ العِلمِيَّةِ
سِينَما الأَطْفالِ ونِسْرين جُورج الجَميلَةُ الهادِئةُ... والدِّرَاسَةُ والتَّحْلِيلُ والأَفْلامُ هَادِفَةُ...، حَسْناءُ الإعْلامِ أمَل حسين بِجَمالِ عَيْنَيْهَا وإبْتِسامَتِها النَّقيّةِ، تَقَعُ فِي حُبِّهَا لا مَحَالَ، والأزْيَاءُ البَهِيَّةُ والأَنَاقَةُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وفِي كُلِّ حالٍ...، السِّينَمَا والفَنُّ والغِناءُ والثَّقَافَةُ والأدَبُ، والقُلُوبُ النَّقِيَّةُ والضّحِكُ مِنَ القَلْبِ، سينَما أطْلَسُ وأفْلامُ الأكشِنِ والكُوميديا والحُبِّ، فائِق يَتَزَوّج وسِتَّة عَلى سِتَّة ولَيلَى وسَنَاءُ والنِّسَاءُ
الطَّرَبُ والمُوسِيقَى والأنْغامُ وغَزَلُ النِّساءِ، والأَزْيَاءُ والشَّعْرُ المَسْدُولُ والقَصِيرُ والبَنْطَلُون، وجَمَالُ السّيقانِ التي تَمْشِيَ عَلى الدَّرْبِ، وأَنَاقَةُ الرِّجالِ ودَلالُ النِّساءِ، ومَا خَلَقَ مِنَ العُيُونِ... سُبْحانَكَ يا رَبُّ -- عِندمَا كانَ الجَّمَالُ "طَبِيعِيَّاً" وكانَ سَلامُ النُّفُوسِ وجَمَالُ الأَيَّامِ وعَذَابَاتُ الرِّجَالِ بِحُسْنِ النِّسَاءِ والفَتَيَاتِ، ولَيْسَ غُرْبَةُ النَّفْسِ وغَرَابَةُ أَيَّامِنَا وحَيْرَةُ الرِّجَالِ بِالنِّسْوَةِ، والحَيْرَاتُ بِكَمِّ الوُجُوهِ المُتَشَابِهَةِ والفِلْتَرَاتِ!! كانَتْ سَنَواتٌ ذَهَبيّةٌ، أزياءٌ ورَقْصٌ وغِنَاءٌ أَنْغَامُهُ الإِحْسَاسُ وأَلْحَانُهُ الرُّوحُ، رِجَالٌ ونِساءٌ، حُرِيَّةٌ ودَلالٌ، بِنْطالُ الجَرَسِ والجارلِسُ والتَنّورةُ والقَصِيرُ، غَرامٌ وسَهَرٌ وغَزَلٌ وأمِيرَةٌ وأمِيرٌ، والخَصْرُ وَجَمَالُ السَّاقَيْنِ، الشَّعْرُ والعُيُونُ والأُنوثَةُ وأحْمَرُ الشِّفاهِ ونُعومَةُ اليَدَيْنِ، سِحْرُ الفولكس فاغِن والأفلامُ والسّينَما والإنْفِتاحُ، فَلا إنْقِلاباتٌ وَلا جِرَاحٌ، وأصْبَحَتِ السّبعينيّاتُ فِي العِراقِ وبِلادِ العَرَبِ والعالَمِ عَقْداً للجّمَالِ والأَفْراحِ، رَغْمَ حَرْبٍ وحُرُوبٍ هُنَا وهُنَاكَ
العِراقِيَّةُ جوزفين حَدّادُ أوّلُ نِسَاءِ الشَّرْقِ وَهِيَ للطائِرَةِ تَقُود، والجّميعُ سُعَداءٌ مُتَناغِمونَ، كُلُّهُم عِراقِيُّون -- مُسْلِمونَ مَسِيحيّونَ ويَهُودٌ -- مَلِكاتُ الجَّمالِ في خَمسينيّاتِ الرُقِيِّ المَعْهُودِ، الألقابُ الجَميلَةُ والباشا والبَاشَواتُ، والبيكُ والبَكَواتُ، والخاتونُ والخَوَاتينُ والأُنوثَةُ وجَمالُ الفُسْتانِ... هِيَ الأَرْبَعينيَّاتُ وذَاكَ سِحْرُهَا وهِيَ الخَمْسينيَّاتُ وذَاكَ جُمَالُهَا، لَكِنَّ ذَاكَ السِّحْرَ وذَاكَ الجَّمَالَ مَعَ الأَمَلِ فِي إِنْقِلابِ سَنَةِ 1958 تَلاشَى وإِنْتَهَى
العُلُومُ التَّربَويَّةُ ورَئيسُ الوِزَرَاءِ محمّد الجَمَالِي، إخْلاصٌ للبِلادِ ورَمْزٌ للثَّقَافَةِ والرُّقِيِّ، آهٍ يا بَغْداد، يُغَنِّي لَهَا المَطَرُ وتَرْقُصُ لَهَا السُّحُبُ والسَّحَابَاتُ، ونَظَافَةُ الشَّوارِعِ والأسْوَاقِ والطُّرُقاتِ، والسَّعَادَةُ والنَّاسُ تَمْشِي وتُدَنْدِنَ، كُلٌّ أحَبَّ البِلادَ وغَنَّى بِالشَّجَنِ، حَمَامَةُ السَّلامِ فِي السَّاحَاتِ، هِيَ الأرْضُ وهُوَ الوَطَنُ، والوَطَنُ يَسْتَحِقُّ، لأَنَّهُ حَقَّاً وَطَنٌ، فَحافَظَ عَلَيْهِ أهْلُهُ فِي الرَّخَاءِ والمِحَنِ، إذْ كانُو يَفْتَخِرُونَ بِهِ أمَامَ الشُّعُوبِ والحُكُوماتِ
عِندمَا كَتَبَ هِتْلَرُ كِتَابَهُ الشَّهِيرَ "كِفَاحِي" والذي كَتَبَهُ فِي سِجْنِهِ الشَبِيهِ بِالإِقَامَةِ فِي هُوتِيلٍ بِنُجُومٍ مَا والمَلِيءِ بِزُهُورِ المَعْجَبَاتِ بِأَفْكَارِهِ المُتَطَرِّفَةِ فِي وَقْتٍ كانَتْ أَلمانيَا تَعِيشُ فَوضَى وعَشْوَائِيَّةً سِيَاسِيَّةً وإِجْتِمَاعِيَّةً كَنَتَائِجٍ طَبِيعِيَّةٍ وقَدَرِيَّةٍ لِخَسَارَتِهَا الحَرْبَ وإِجْبَارِهَا عَلى دَفْعِ الثَّمَنِ والأَثْمَانِ مِنْ أَمْوَالِ وكَرَامَاتِ الشَّعْبِ الأَلْمَانِيِّ المُنْهَكِ والمَهْزُومِ حِينَهَا، لَمْ يَكُنْ حِينَهَا فِي عِلْمٍ أَو إِعْتِقَادٍ بِأَنَّ كِتَابَهُ سَيَكُونُ دُسْتُوراً شَيْطَانِيَّاً لِلقَتْلِ والإِبَادَةِ لِكُلِّ مُخْتَلِفٍ ومُخَالِفٍ لِإِيديُولوجِيَّةٍ وفِكْرَةٍ وطَرِيقٍ مَا بِغَضِّ النَّظَرِ عَن الحُرِّيَّةِ والمَكانِ والزَّمَانِ، ولَمْ يَكُنْ فِي مُخَيَّلَتِهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي زَمَانٍ ومَكانٍ وسَنَوَاتٍ بِأَنْ يَحْتَلَّ بُلْدَانَاً بِإِتِّصَالٍ هَاتِفِيٍّ قَصِيرٍ، وعَلى طَرِيقَتِهِ: إِمَّا التَّسْلِيمُ والتَّيْسِيرُ، أَو الإِبَادَةُ والتَّدْمِيرُ. وقَدْ إِستَمَدَّ أَفْكَارَهُ ومَشَاعِرَهُ مِنْ الكَثِيرِ مِمَّنْ عُرِفُو بِمُعَادَاتِهِم لِلسَّامِيَّةِ وكَرَاهِيَتِهِم لِليَهُودِ الأَغْنِيَاءِ والرُّوسِ والآخَرِينَ -- مِنْهُم، مَثَلاً، السِّيَاسِيُّ النَّمسَاوِيُّ وعُمْدَةُ فِيينا القَوِيُّ وزَعِيمُ وأَحَدُ مُؤَسِّسِي الحِزْبِ الإِجْتِمَاعِيِّ المَسِيحِيِّ "الشُّعُوبِيِّ" فِي الإِمبِراطورِيَّةِ النَّمْسَاوِيَّةِ كارل لُوجر
فَالحِكْمَةُ والمَشُورَةُ وعَلامَاتُ المُسْتَقْبَلِ والحِفَاظُ عَلى البِلادِ والعِبَادِ هِيَ أَسَاسِيَّاتُ الحُكْمِ والحَاكِمِ، أو المَفْرُوضُ هكذَا. فَلَوْ أنَّ الرَّئِيسَ الرَّاحِلَ صَدّام حسين، مَثَلاً، كانَ قَدْ إكْتَفَى بإنْتِصارِهِ عَلى إيرانَ فِي حَرْبِ العِراقِ والعَرَبِ "العادِلَةِ" عَلى مَلالِيَ الحِقْدِ والشَرِّ، ولَم يَقُمْ بإحْتِلالِ الكُوَيت لَكانَ حَقَّاً حَبِيبَاً للعِراقِ والعَرَبِ رَغْمَ أوْهامِ البَعْثِ والنّاصِريَّةِ والقَوْميّةِ فِي تَحْريرِ القُدْسِ وغَيْرِهَا مِنَ الأَوهَامِ التِي لا تَمُتُّ إِلى الحَقِيقَةِ أَو واقِعِ الأَيَّامِ والأَحْدَاثِ بِصِلَةٍ. ولَوْ أَنَّهُ، أَيْ صَدّام حسين، قَبِلَ أَو، عَلى الأَقَلِّ، تَقَبَّلَ "عَرْضَ" المَحَبَّةِ فِي إِطَارِ السَّلامِ والإِحْتِرَامِ المُتَبَادَلِ "إِنْسَانِيَّاً" فِي السُّكُونِ وعَدَمِ الإِعْتِدَاءِ الذي قَدَّمَهُ لَهُ رَئِيسُ الوُزَرَاءِ الإِسْرَائِيلِيِّ الأَسْبَقِ إِسحاق شَامِير فِي رِسَالَةٍ خَطِّيَّةٍ أُرْسِلَتْ إِلى صَدّام حسين -- الذِي كانَ "مَعَ شَعْبِ العِرَاقِ" يَعِيشُ نَشْوَةَ الفَخْرِ والفَرَحِ والنَّصْرِ فِي عَامِ 1989 أَيْ بَعْدَ عَامٍ مِنْ إِنْتِصَارِ العِرَاقِ عَلى إِيرَانَ -- لَكانَ العِرَاقُ وصَدّام حسين "اليَوْمَ" فِي مَكانٍ وزَمَانٍ آخَر. فَلَوْ أنَّ صَدّام حسين أقامَ سَلاماً أو عِلاقاتٍ طَيّبةٍ أو "عَلى الأقَلِّ مَبَادِئَ سَلامٍ ولَوْ أوّليَّةً" مَعَ جِيرانِهِ ثُمَّ مَعَ إسْرائيلَ -- التي يَسْكُنُ فِيهَا عِراقِيّونَ بابِليّونَ طَيّبُونَ مُحِبُّونَ أُجْبِرو قَهْرَاً وظُلْمَاً عَلى تَرْكِ العِرَاقِ الذِي أَحَبُّوهُ وتَرْكِ بُيُوتِهِم وأمْلاكِهِم وجِيرانِهِم وهُم اليَوْمَ مِنْ أكْبَرِ الجّالياتِ فِي إسْرائيلَ وأكْثَرِهِم ثَقافَةً وعِلْمَاً كثَقافَةِ بابِلَ العَظيمَةِ -- لَكانَ العِراقُ (فِعْلاً) بَيْتَ الحِكْمَةِ كمَا كانَ يُلَقَّبُ فِي سَابِقِ الأزْمَانِ والدُّهُورِ والتأريخِ القَدِيمِ والحَدِيثِ قَبْلَ وبَعْدَ السَبْيِ البابِلِيِّ. ولَو كُنْتُ رَئيسَاً أو مَسْؤولاً لَكانَتْ سِياسَةُ البابِ المَفْتُوحِ مَعَ الحِفاظِ عَلى القُوَّةِ والإزْدِهَارِ والسِّيادَةِ أسَاساً للحُكْمِ، وهُوَ حُكْمُ المُسْتَقْبَلِ والإِزْدِهَارِ مَعَ السِّيَادَةِ والكرَامَةِ وحُرِّيَّةِ الإِخْتِيَارِ
الرَّئِيسُ الرَّاحِلُ صَدّام حسين إِذَاً ومِنْ قَبْلِهِ المَعْتُوهُ جَمَال عَبد النَّاصِرِ أَو الخَائِنُ عَبد الكرِيم قَاسِم وغَيْرُهُم... كُلُّهُم تَذَكَّرُو البِدَايَاتِ لكِنَّهُم نَسُواْ النِّهَايَاتِ! تَذَكَّرُو كيْفَ بَدَءَ الأَمْرُ لكِنَّهُم نَسُواْ كيْفَ إِنْتَهَتْ وآلَتْ إِلَيْهِ الأُمُورُ! تَذَكَّرُو كيْفَ كانَتْ بِدَايَةُ هِتْلَرَ لكِنَّهُم نَسُواْ كَيْفَ إِنْتَهَى
فَالخُمَيْنِيُّ كَرِهَ المُخالِفِينَ والمُخْتَلِفِينَ وكُلَّ مَنْ أَرَادَ السَّلامَ والهُدُوءَ والرَّخاءَ والحُريَّةَ. وغَادَرَ النَّجَفَ قائِلاً للعِراقِيّينَ ولَهَا "الوَعْدُ الوَعْدُ... أَتْرُكُ النَّجَفَ اليَوْمَ وَهِيَ عِرَاقِيّة، وأَعودُ لَهَا غَدَاً وَهِيَ فارِسيَّةٌ!" وهَكذا، هُوَ العِراقُ، أَرْضٌ تَبْكِي وتَصْرُخُ وتُرِيدُ، وشِيعَةٌ ومِلَلٌ وطَوائِفٌ لا تُحْكَمُ إلاّ بالقُوَّةِ والحَدِيدِ، وشَعْبٌ تَعِبَ وإِشْتَكى مِنْهُ المَلِكُ الطَيِّبُ فيصَل الأوّلُ والمَلِكُ غَازي والمَلِكُ الحَبيبُ فيصَل الثّانِي والبَاشا الحَكيمُ نُوري السَّعيدُ... وقَبْلُهُم تَعِبَ وإشْتَكى مِنْهُ إبراهيمُ والأَنبياءُ، والخُلَفَاءُ والعُلَمَاءُ والفُقَهَاءُ، وعَلِيٌّ وأَوْلادُهُ والحَجَّاجُ وهاروُنُ الرَّشيدُ، واليَهودُ والمَسيحِيّونَ والمُسْلِمونَ والوَسَطيّونَ والوُسَطَاءُ، والتَّلاميذُ والصَّحابَةُ والأَصْحَابُ والقَريبُ والبَعيدُ! إِشْتَكَى مِنَ العِرَاقِ وشِيعَتِهِ كُلُّ هَؤُلاءِ!! كُلُّهُم قَالو لِشِيعَةِ العِرَاقِ "يَا شِيعَةَ العِرَاقِ مِنْكُم قَدْ تَعِبْنَا، شِئْنَا فأَبَيْتُم ثُمَّ شِئتُم فأَبَيْنَا، وتَعِبَ مِنْكُم الرَبُّ والأَرْبابُ!" فَشِيعَةُ العِرَاقِ قَدْ أَحَبُّو "ولَوْ نِفَاقَاً" الإِمَامَ عَليٍّ ثُمَّ إنْقَلَبو عَليْهِ! نَافَقُو إبْنَهُ الحُسَيْنَ ثُمَّ أنْقَلَبو عَليْه! وبَعْدَ عُقُودٍ ودُهُورٍ هَلّلو لِنُوري السَّعيدِ وهُم يُغَنُّونَ "نُوري السَّعيد شَدَّة وَرِد، وصَالِح جَبُر رَيْحانَه" ثُمَّ - وبَعْدَ أَرْبَعٍ وعِشْرينَ سَاعَةٍ - إنقَلبُو عَلى نُوري السَّعيدِ وشَتَمُوهُ وهُم يُغَنُّونَ "نُوري السَّعيد القُنْدَرَة، وصَالِح جَبُر قِيطانَه!!" وَهَلّلو لِلمُلُوكِ والرُّؤَسَاءِ ثُمَّ إنقَلَبو عَليهِم! والعَرَبُ المُسْلِمونَ عُمُومَاً نَافَقُو وأَحَبُّو الفِتَنَ هُنَا وهُنَاكَ فِي مِصْرَ والشَّامَ ولُبْنانَ والجَّزائِرَ وغَيْرِها -- وأَقوُلُ العَرَبُ "المُتَعَصِّبُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ" لأَنَّ التأريخَ حَكَى لَنَا وأخْبَرَنَا وشَهِدَ "نَادِرَاً" أَنَّ الآشُورِيِّينَ "أَيْ السُّكَّانَ الأَصْلِيِّينَ" واليَهودَ والصَّابِئَةَ وآخرِينَ مِمَّنْ شَهِدَ التأرِيخُ بِسَلامِهِم فِي أَرْضِ السَّلامِ لَمْ تُخْلَقْ فِي عُقُولِهِم الفَوْضَى العَمْيَاءَ، ولَمْ يُخْلَقْ فِي قُلُوبِهِم الغَدْرُ والكَذِبُ والحِقْدُ والخُبْثُ والنِّفاقُ – أَو مِنْ هذَا وذَاكَ فِي "مُرَكَّبَاتِهِم مِنَ الحَامِضِ أَو الحَمضِ النَّوويّ" مِثْلَ الكَثِيرِ "ولَيْسَ الكُلُّ" مِنَ العَرَبِ، وهُنَا أتَحَدَّثُ عَنْ سَاسَةِ الدِّينِ وعِبَادَةِ البَشَرِ، ولَيْسَ كُلُّ البَشَرِ
فالمَالِكِي يُدْخِلُ إصْبَعَهُ فِي أنْفِهِ أمامَ النّاسِ والكامِيرا، فَيَضحَكُ النّاسُ عَلَيْهِ وعَلَيْنا. والجَّعْفَرِي "يُونس شَلَبي العِرَاقِ، مَعَ الإعْتِذارِ لِرُوحِ الفَنّانِ المَحْبُوبِ" يَتَحَدّثُ عَشْرَ سَاعاتٍ دُونَ أنْ يَقولَ شَيْئَاً مَا، فَيَضحَكُ النّاسُ عَلَيْهِ وعَلَيْنا. والعبادِي يُحَاوِلُ "جاهِدَاً" ولِسَاعَاتٍ أنْ يَربِطَ ويُمْسِكَ بَنْطَلُونَهُ أمَامَ النّاسِ والكامِيرا لِيَمْنَعَهُ مِنَ "الإِنْزِلاقِ" دُونَ جَدْوَى، فَيَضحَكُ النّاسُ عَلَيْهِ وعَلَيْنا
فالنَاسُ عَشِقُو لُبْنَانَ، مَثَلاً، لَيْسَ بِالأَحْزَانِ والحَرْبِ الأَهْلِيَّةِ وحِزْبِ اللهِ والقَتْلِ والإِغْتِيَالاتِ والجَّهْلِ والفَقْرِ والعَمَالَةِ لِمَلالِيَ طَهْرَانَ والفَوْضَى وإِرْهَابِ عَائِلَةِ الأَسَدِ والقُوَّاتِ السُّورِيَّةِ ونِفَاقِ الحَرَكاتِ الفِلِسْطِينِيَّةِ ومُؤَامَرَاتِ العِمَامَاتِ الإيرانِيَّةِ، إنَّمَا بِصَوتِ فَيْرُوزَ والثَّقَافَةِ والجَّمَالِ والجِّبَالِ والقُرَى والجِّنَانِ، والإِيمَانِ والكَنَائِسِ والأَدْيِرَةِ وأَقْلامِ جُبْرَانَ، وذِكْرَى بَشِيرِ الجميّل وكَلِمَاتِهِ الوَطَنِيَّةِ وحُبِّهِ لِبِلادِهِ وإِخْلاصِهِ وصَوْتِهِ الجَّمِيلِ الرَّنَّانِ، والعَذْرَاءِ مَرْيَمَ أُمِّ الرَّبِّ والمِسْبَحَةِ والقُلُوبِ الوَرْدِيَّةِ بَابِ الأَمَانِ، ولا زَالَ الأمْرُ هَكذا
ومِنْ ضَحَايَا الإِسْلامِ السِّيَاسِيِّ والمِيلشيَاتِ الطَّائِفِيَّةِ والعَمَالَةِ الإِيرَانيَّةِ والجُّغرَافيَا السِّيَاسِيَّةِ هِيَ أَرْضُ اليَاسَمِينِ، سُوريَة، حَبِيبَةُ الرَّسُولِ بُولس... التِي دُمِّرَتْ وأَصَابَهَا الضَّيَاعُ والتَّقْسِيمُ وحَلَّتْ فِيهَا الفَوْضَى وبَكَى أَهْلُهَا -- ولَعْنَةُ الجُّغْرَافيَا الفَارِسِيَّةِ بِجُسُورِهَا العِرَاقِيَّةِ أَسَاسٌ فِيهَا. وعَنْهَا، أَيْ عَنْ أَرْضِ اليَاسَمِينِ، هَمَسَ إِلَيَّ المَسْؤولُ (...) مَرَّةً بِحَديثٍ قَبْلَ سَنَوَاتٍ وقَالَ "إِليْكَ، يَا مازن، الحَقِيقَةَ والخُلاصَةَ: إِنَّ الحَرْبَ والعُنْفَ والفَوْضَى فِي سُورية لَنْ تَنْتَهِي مَهمَا كانَ ويَكونُ إِلاّ إِذَا عَادَ الزَّمَانُ والمَكانُ إِلى عُقُودٍ خَلَتْ قَبْلَ أَنْ تَبدَأَ لَعْنَةُ الإِنْقِلابَاتِ النَّاصِرِيَّةِ ورِياحُ المَلالِيَ الفَارِسِيَّةِ بِالصَّفِيرِ، وبَعْدَ أَنْ تُزَالَ آثَارُ العَمِيلِ الفَارِسِيِّ حافِظ الأَسَدِ الذِي قَسَّمَ مُجْتَمَعَهُ وقَتَلَ شَعْبَهُ وخَانَ العَرَبَ، وآثَارُ وأَثَرُ إِبْنِهِ الصَّغِيرِ بَشَّار الأَسَدِ الذِي إِسْتَمَرَّ فِي هذِهِ العَمَالَةِ وهذَا الدَّرْبِ،" "وأَيُّ شَيءٍ عَدَا ذَلِكَ هُوَ خِدَاعٌ وضَيَاعٌ لِلوَقْتِ والمَالِ والأَرْوَاحِ والكلِمَاتِ ولَيْسَ لِلإِعْلامِ فِيهِ إِلاّ الإِثَارَةَ والتّخَبُّطَاتِ،" "فَلا أَمَلَ دُونَ قَرَارٍ (عَسْكرِيٍّ) أَمْرِيكِيٍّ-إِسْرَائِيليٍّ،" "أَو مُواءَمةٍ تُرْكِيَّةٍ-إِسْرَائِيلِيَّةٍ وهُمَا صَدِيقَانِ حَمِيمَانِ مُنْذُ بِدَايَةِ الشُّرُوقِ فِي عَامِ 1949 عِنْدَمَا كانَتْ تُركِيَا أَوَّلَ بَلَدٍ إِسْلامِيٍّ يَعْتَرِفُ بِإِسْرَائِيلَ،" "وأَمَّا المُفَاوَضَاتُ بَيْنَ الحُكومَةِ والمُعَارَضةِ أَو المُعارَضَاتِ فهِيَ لَمْ تَفْشَلَ لأَنَّهَا لَمْ تَبْدَأَ...،" ولَنْ تَبْدَأ
وعِندمَا أَرَدْنَا الحَدِيثَ عَنِ العِرَاقِ نَظرْنَا إِلى مَنْ جَاءَ مِنَ قَادَةِ الميلشياتِ والعُمَلاءِ والجُّهَلاءِ والعَقليَّاتِ والمُسْتَويَاتِ فِي سَنَةِ 2003، ونَظرْنَا إِلى العَلمِ "الإِيرَانِيِّ" فِي المَقْعَدِ "العِرَاقِيِّ،" وعِنْدَهَا، تَحَدَّثْنَا فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ. وبَعْدَهَا، قَالَ "قائِلٌ" مِنْهُم "إِنَّ الجَّمِيعَ مُتَّفِقٌ عَلى رَحِيلِ الرَّئيسِ السُّورِي بَشّارِ الأَسَد، ويَتَمَنَّى ذَلِكَ بِشِدَّةٍ اليَوْمَ وغَدَاً، لكِنَّهُم، أَيْ الأَغْبِيَاءَ مِنَ سَاسَةِ أُوروبّا، مُتَّفِقونَ عُمُوماً عَلى أَنَّهُ لَنْ يَرْحَلَ دُونَ قَرَارَاتٍ أَمْرِيكيَّةٍ-تُرْكِيَّةٍ وضَرَبَاتٍ إِسْرَائِيليَّةٍ،" "وأَنَّ بَعْضَ الأُوروبييّنَ يَتَهيَّئونَ "نَفْسِيَّاً" لِلإِعترَافِ بِ "سُوءِ الحِسَابَاتِ" فِي سُوريَة، والذي أَدَّى إِلى زَعْزَعةِ الإِسْتِقرَارِ المُجْتَمَعِيِّ فِي أُوروبّا، إِلاّ إِذَا قَرَّرَتْ إِسْرَائِيلُ شَيْئَاً آخَرَ، كالتَّخَلُّصِ، مَثَلاً، مِنَ الأَسَدِ وعَمَالَتِهِ لِإِيرَانَ. وأَنَّ حِسَابَاتِهِم كانَتْ مُتَسَرِّعَةً فِي إِعْتِقَادِهِم أَنَّ التَّجْرِبَةَ التُّونِسيَّةَ مِثَالٌ قابِلٌ للتَّطْبِيقِ فِي الشَّامِ - كمَا أَقْنَعَهُم بِذَلِكَ العَرَبُ والأَتْرَاكُ. وأَنَّ الخَارِجيَّةَ ال "......." تَضَعُ بَعْضَ الأَفكارِ المُعَقَّدَةِ و "الصَّعْبَةِ" لِ "تَصْحِيحِ الحِسَابَاتِ" والِإتِّصَالِ بِالقَاتِلِ السُّورِيِّ، لَيْسَ حُبَّاً بِهِ، بَلْ كُرْهَاً لِمُوَاطِنِيهِ، وهُنَا أَتَحَدَّثُ "بِكُلِّ إِحْتِرَامٍ" عَنْ الإِخْوَةِ اللاجِئِينَ الذينَ، هُم دَائِمَاً، ضَحِيَّةُ الحُرُوبِ الشَّخْصِيَّةِ والعَمَالَةِ الإِيرَانِيَّةِ والطَّاوِلَةِ السِّيَاسِيَّةِ والأَقْدَارِ الأَرْضِيَّةِ والبَشَريَّةِ -- ولَيْسَ الأَقْدَارُ السَّمَاوِيَّةِ والإِلهيَّةِ
وأنَا هُنَا لا أتَحَدَّثَ عَن العِراقِيّينَ والعَرَبِ فِي العِراقِ وبِلادِ العَرَبِ بَعْدَ إنْهِيارِ المَلَكِيَّاتِ وعُصُورِ الرُّقْيِ وما تَلاهَا مِنْ إنْقِلابَاتٍ وفِتَنٍ وحُرُوبٍ وتَشْوِيهٍ للأجْيَالِ وثَوْرَاتٍ دَمَويَّةٍ وتَدْمِيريَّةٍ فَحَسْب، بَلْ أيْضَاً "بَعْضِ" أُولئِكَ مِنَ العِراقِيّينَ والعَرَبِ الذينَ يَعِيشُونَ اليَوْمَ فِي أوروبّا وأمْريكا وقارَاتٍ أُخْرَى -- ومِنْهُم مَشَاهِيرٌ لَهُم المِئَاتُ مِنَ المُتَابِعِينَ الذينَ يُشْبِهُونَهُم -- ويَظْهَرُونَ عَلى صَفَحاتِهِم بِشَكْلٍ آخَرَ وأخْلاقٍ مُغايِرَةٍ للواقِعِ، ومَا يَقُومُونَ بِهِ عَلَنَاً فِي المُجْتَمَعَاتِ مِنْ عَاداتٍ يَوْمِيَّةٍ أو حَدِيثٍ بِصَوْتٍ عالٍ وهَمَجِيٍّ وسُوقِيٍّ فِي الشّوارِعِ أو مَعَ الجِّيرانِ أو المُوَظَّفِينَ أو العِيَاداتِ والمُؤسَّسَاتِ أو البَّصْقِ فِي الطُّرُقَاتِ أو التَحَرُّشِ مَعَ أيِّ "مَخْلُوقَةٍ" شَقْرَاءَ وإنْ كانَتْ طِفْلَةٌ أو مُراهِقَةٌ فِي طَرِيقِهَا إلى البَيْتِ أو المَدْرَسَةِ، وأيْضّاً ما يَكونُ مِنْهُم مِنْ هَمَجِيَّةٍ وإنْحِطاطٍ إنْسانِيٍّ أو حَتّى بَشَرِيٍّ فِي التَّجَمُّعاتِ والسّينَماتِ والحَفَلاتِ! فَهَلْ هُوَ الحِرْمَانُ مِنَ الأرْضِ والأوْطَانِ والأمَانِ والجِّنْسِ والحُبِّ؟ لا، بَلْ هُوَ الحِرْمَانُ مِنَ الرُّقِيِّ والتَّرْبِيَةِ
فَإِنْ أرَادَ العَرَبُ أنْ يَكُونَ لَهُم شَأنٌ بَيْنَ الأُمَمِ، فَلَيْسَ بالشِّعاراتِ والمُسَيَّرَاتِ والصَّوَارِيخِ والحُرُوبِ والإِرْهَابِ والعَمَالَةِ والمُظَاهَرَاتِ والعَنْتَرِيَّاتِ وسَفْكِ الدِّمَاءِ وعُبُودِيَّةِ البَشَرِ، وإنَّمَا بالعِلْمِ والتَّعْلِيمِ والفَنِّ والرُّقِيِّ والحِكْمَةِ والسِّيَادَةِ والعِلاقَاتِ الطَّيِّبَةِ والسَّلامِ والإِزْدِهَارِ والبِنَاءِ والفَرَحِ والسَّفَرِ
فَإِنَّ رِجَالَ الدَّوْلَةِ العَمِيقَةِ "مِنَ الدِّيمُقرَاطِيِّينَ" لا يَحْمِلُونَ فِي قُلُوبِهِم مَشَاعِرَ الوِدِّ والإِحْتِرامِ للسّعوديَّةِ والخَلِيجِ، وحَتّى يَوْمِنَا هَذا. إذْ إِنَّ تَلامِيذَ مَدْرَسَةِ أُوبَامَا "المُعْجَبُ بِالإِسْلامِ السِّيَاسِيِّ" مِثْلَ جو بايدن لا "يُحِبُّ" -- ولَنْ أسْتَخْدِمَ كَلِمَةً أقْسَى -- السّعوديَّةَ والعَرَبَ لأَنَّهُم "أَهَانُوهُ" وأَهَانُو سِيَاسَاتِهِ المُسَانِدَةَ لِعَدُّوَتِهِم الأُولَى إِيرَانَ، أَو نِظَامِ إِيرَانَ لِلدِّقَّةِ السِّيَاسِيَّةِ والمَوْضُوعِيَّةِ. وأَيْضَاً، لا "يُحِبُّ" مِصْرَ والرَّئيسَ السِّيسيّ وجَيْشَ مِصْرَ، لأنَّهُ، بِنَظَرِ "تَلامِيذِ" أُوبامَا، قَدْ أنْهَى مَشْرُوعَ الإِخْوانِ المًسْلِمينَ والإِسْلامِ السِّياسِيِّ، وهُوَ لإِدَارَةِ الدِّيمُقراطيّين مَشْرُوعٌ صُرِفَ عَلَيْهِ الكَثِيرُ مِنَ المَالِ والوَقْتِ والجُّهْدِ وكانَ لَهُم سِلاحٌ آنِيٌّ وزَمَنِيٌّ وزَمَانِيٌّ وأَمْرٌ ضَرُورِيٌّ
فَأَنْتَ حُرٌّ طَالَمَا كانَ الآخَرُونَ أَحْرَاراً، والآخَرُونَ أَحْرَارٌ طَالَمَا أَنْتَ حُرٌّ سَعِيدٌ
فَحَصَلَ المَلِكُ العِرَاقِيُّ الثَّائِرُ عَلى الهَدَايَا الألْمَانيَّةِ كالسَّيَّارَاتِ الفَاخِرَةِ وتُحَفٍ نَادِرَةٍ كَهَدِيَّةِ بُلْبُلِ الإذَاعَةِ الذَهَبِيِّ بِمُنَاسَبَةِ إفْتِتَاحِ إذَاعَةِ الزُّهُورِ مَعَ خِطَابِ شُكْرٍ ومَوَدَّةٍ بِتَوْقِيعِ هِتْلَر، لكِنَّ المَلِكَ الطَّيَّبَ حَصَلَ أَيْضَاً عَلى فَخٍّ إنْكِلِيزِيٍّ وحَادِثٍ مُدَبَّرٍ فَقُتِلَ فِي سَيَّارَتِهِ وهُوَ فِي طَرِيقِهِ لِمُقَابَلَةِ الشَّقْرَاءِ البِرِيطَانيَّةِ، ليُضَافَ حُزْنٌ ودَمْعٌ لِأَحْزَانِ ودُمُوعِ المَلِكةِ عَاليَة... مَلِكَةِ الأَحْزَانِ والدُّمُوعِ
فريدُ وحليمُ وأم كلثوم ورَوْعَةُ الخَانِ، والعُلَماءُ والمُثَقّفونَ والمُسَابَقَاتُ، وأَلْقَابُ الجَّمِيلاتِ، أسْمَاءٌ وقاماتٌ، ناظم بُطرس وسِهامُ السَبْتِي وسَليمُ البَصْري، عمّانوئيل ومَقَالِبُ عَبُّوسِي ورَسَائِلُ حَجِّي راضِي، نَحَبَانِي لَلُّو والدّارُ والدّوُرُ، الكُبَّةُ والصّمُّونُ والعَمْبَةُ والدَّرْسُ الأعْراسُ والهَلاهِلُ والفَرَحُ والسُّرُورُ
فَقَد رَفَضَ العالَمُ ورَفَضَ شَعْبُ أمريكا الحَرْبَ وإحْتِلالَ العِراقِ وصُدَمَ بِهِ وبِهَا وبِأكاذيبِهَا ونَتَائِجِهَا فِي قَتْلِ وإفْقارِ وتَشْرِيدِ المَلايين مِنَ العِراقِيّينَ، وقَتْلِ الآلافِ مِنَ الأَمْرِيكِيِّين المَخْدُوعِين، وهُوَ إحْتِلالُ البَيْتِ الأبْيَضِ أو فِرَقٍ مِنَ الجَّيْشِ الأمريكيِّ للعِراقِ ولَيْسَ إحْتِلالُ أمريكا للعِراقِ. كَمَا صُدِمَ شَعْبُ العِراقِ صَبَاحاً بالحَرْبِ وإحْتِلالِ الكُوَيتِ، وهُوَ إحْتِلالُ الحَرَسِ الجُّمْهُورِيِّ أو فِرَقَاً مِنَ الجَّيْشِ العِراقِيِّ للكُوَيتِ ولَيْسَ إحْتِلالُ العِراقِ للكُوَيت
فَكتَبَ فِي وَصيَّتِهِ أنَّ طَوائِفَ العِرَاقِ ومَنْ عَلى أَرْضِهِ مِنْ شِيعَةٍ ومِلَلٍ ومَذَاهِبٍ يَمْلأُ قُلُوبَهَم النِّفَاقُ وحُبُّ الذَّاتِ، وإِنَّ السَّيْطَرَةَ عَليْهِم مِنَ فُصُولِ المُعْجِزاتِ
فَهَلْ تَبحَثُ عَنْ دَولةٍ فاشِلةٍ بِلا جُذُورٍ؟؟ أَو تَبْحَثُ عَنِ الجَّهْلِ والقَتْلِ والخَرَابِ والدِّمَاءِ والأَحْزَانِ والدُّمُوعِ والقُبُورِ؟؟ الأَمْرُ، يَا صَدِيقِي، هَيِّنٌ وبَسِيطٌ، إِجْمَعْ بَيْنَ الدِّينِ والسِّياسَةِ
لِهَذا، أَقُولُ، إِنْ سَيْطَرَ الدِّينُ عَلى السِّياسَةِ شَوَّهَ مَا فِيهَا، وإنْ تَدَاخَلَتْ السِّياسَةُ فِي الدِّينِ شَوَّهَتْ مَا فِيهِ، مَهْمَا كانَتْ السِّياسَةُ ومَهْمَا كانَ الإيمَانُ أَو الدِّينُ -- اليَهُودِيَّةُ كانَتْ أَم المَسِيحِيَّةُ أَم الإِسلامُ، مَعَ الفَرْقِ بَيْنَ الدِّينِ والإِيمَانِ، والفَرْقُ جَوْهَرِيٌّ وعَمِيقٌ فِي فَلْسَفَةِ الدِّينِ والإِيمَانِ والنِّعْمَةِ -- وخاصَةً الإِسْلامُ "المُتَطَرِّفُ" لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْويهٍ للإنْسَانيَّةِ وبَعْضِ الأَسَاسِيَّاتِ التي تَعْتَمِدُ عَلى العُنْفِ والقَسْوَةِ وسَفْكِ الدِّمَاءِ فِي شُؤُونِ الدَّوْلَةِ والشُّعُوبِ وحَيَاةِ الأَفْرَادِ فِي نُصُوصٍ وتَفَاسِيرٍ وتَأْوِيلاتٍ وتَحْرِيفَاتٍ نَصِّيَّةٍ وعَقْلِيَّةٍ، مُنْذُ أَنْ دَخَلَ الإِرْهَابُ فِي النُّصُوصِ والكِتَابَاتِ والكُتُبِ فِي تأرِيخٍ بَعِيدٍ وقَرِيبٍ حَتّى بَدَءَ غَسْلُ الأَدْمِغَةِ وغَسِيلُ العُقُولِ وسَرِقَةُ قُلُوبِ الجُّهَلاءِ مِنَ النَّاسِ وخَاصَّةً الشَّبَابِ فِي كُتُبِ حَسَن البَنَّا وسَيِّد قُطب وغَيْرِهِم مِنَ مٌؤَسِّسِي الإِرْهَابِ فِي مِيزَانِ الدِّينِ والسِّيَاسَةِ. وخَيْرُ دَليلٍ عَلى هَذا وذاكَ مَا حَصَلَ فِي البِلادِ العَرَبيَّةِ وتُركيا وبِلادِ الشَّرْقِ، فِي المَاضِي والحَاضِرِ، ولِلأَسَفِ، فِي المُسْتَقْبَلِ. والسِّيَاسَةُ لَيْسَتْ فَنٌّ، كمَا يَدَّعِيَ البَعْضُ، لأَنَّ الفَنَّ أَسْمَى وهُوَ حُبٌّ وسَلامٌ لَكَ ولَهَا، والفَنُّ يَبْنِي دَائِمَاً ولا يُدَمِّرُ كالسِّيَاسَةِ فِي أَحْيَانِهَا، وهِيَ لَيْسَتْ فَنُّ الطَّبْخِ، كمَا يَظُنُّ البَعْضُ، لأَنَّهَا لَيْسَتْ فَنٌّ ولَيْسَتْ مَطْبَخٌ، وهِيَ لَيْسَتْ مَبَادِئُ "الصَّدَاقَةُ الدَّائِمَةُ والصَّدِيقُ الدَّائِمُ أَو العَدَاوَةُ الدَّائِمَةُ والعَدُوُّ الدَّائِمُ" بَلْ هِيَ عِلْمٌ أَسَاسُهُ الحِكمَةُ والصَّبْرُ والدِّرَاسَةُ والقِيَاسُ، وفُصُولُهُ السِّيَادَةُ الكامِلَةُ والإِحْتِرَامُ المُتَبَادَلُ بَيْنَ البِلادِ والشُّعُوبِ والنَّاسِ، وعَلامَاتُهُ المَصَالِحُ المُشْتَرَكةُ دُونَ نِفَاقٍ أَو كذِبٍ أَو تِجَارَةٍ فِي سُوقِ الجَّهْلِ حَيْثُ يُبَاعُ مَصِيرُ الإِنْسَانِ ويُشْتَرَى. إِذَنْ، السِّيَاسَةُ لَيْسَتْ فَنٌّ، ولَيْسَتْ طَبْخٌ، أَو مَطْبَخٌ، بَلْ هِيَ حِكْمَةُ تَنْظِيفِ المَطْبَخِ بَعْدَ الطَّبْخِ. ولا أَمَلَ فِي تَنْظِيفِ الإِنْسَانِ والمُجْتَمَعَاتِ إِنْ فُتِحَ بَابُ السِّيَاسَةِ بِمِفْتَاحِ الدِّينِ، فَالدِّينُ السِّياسِيُّ أَو مَا أُسَمِّيهِ "القَتْلُ البَطِيءُ" قَدْ أَسَالَ الدِّمَاءَ حَتّى فِي أُوروبّا
فَهَلْ تَعَلَّمَ البَشَرُ مِنْ تأرِيخِ البَشَرِ؟ لا! فَالبَشَرُ والنَّاسُ يَتَعَلَّمُونَ ولا يَتَعَلَّمُونَ
القَاهِرَةُ والوَزيريَّةُ وسِحْرُ الأعْظَميَّةِ، ومَرَّةً أُخْرَى، حَبِيبَتِي الأَعْظَمِيَّةُ، عَرُوسُ المَنَاطِقِ والأَحْيَاءِ البَغْدَادِيَّةِ، وأضْواءُ "أَبُو حَنيفَةَ" والمَقْبَرَةُ المَلَكيَّةُ، ورَأْسُ الحَوَاشِ وجَمَالُ بَنَاتِ الحَريرِي وإِنْتِظَارُ الجَّرَسِ فِي العَصْرِيَّةِ، وقاسِم والكَصُّ مَعَ الصَّمُّونِ أَو خُبْزِ التَّنُّورِ بِالسِّمْسِمِ والسِّمْسِمِيَّةِ، والسُّوقُ العَبَّاسِيُّ والبِقَالَةُ والبَّقَّالَةُ والأَسْوَاقُ والمَحَلاّتُ والمَطَاعِمُ الشَهِيَّةُ، وأَشْهَى الدَّجَاجِ والكبَابِ مِنْ مَطْعَمِ "أَبو فِرَاسٍ" والأَسْوَاقُ الرَّاقِيَةُ مَعَ أَصَالَةِ الأَسْوَاقِ الشَّعْبِيَّةِ. مَكْتَبَةُ الصَّباحِ ثُمَّ راغبَة خَاتُون والعَوْدَةُ إِلى سَاحَةِ عَنتَرَ ثُمَّ "لاحِقَاً" قَنَاةِ العِرَاقِ الفَضَائِيَّةِ، أو شَارِعِ عُمَر بِن عَبد العَزِيزِ إِلى الجِّهَةِ الشَّرْقِيَّةِ. نَسَمَاتُ بَغْدَادَ وثَانَوِيَّةُ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ، والسَيَّاراتُ والبَاصَاتُ "110" بِطَابِقٍ وطَابِقَيْنِ والفُورتَاتُ، والمُسْتَشْفَى والدَّهَالِيكُ والسَّاحَةُ الدَّائِريَّةُ، سَاحَةُ نَاظُم الطَّبَقْجَلِيُّ إِلى ثَانَوِيَّةِ الإِنْتِصَارِ، مَرْحَبَاً فِي سَبْع أَبْكار، بِجُسُورِهَا وأَسْوَاقِهَا ومَدَارِسِهَا وجَمَالِ طَالِبَاتِ الثَّانَوِيَّةِ، والكِرِيعَاتُ إِلى كُلِيَّةِ المُعَلِّمِينَ أَو نَسِمِ المَزَارِعِ والرَّاشِدِيَّةِ. الغَرَامُ والغَزَلُ فِي جَزِيرَةِ بَغْدَادَ السِّيَاحِيَّةِ، أَو العَوْدَةُ إِلى قَنَاةِ الجَّيْشِ وآفَاقَ عَرَبِيَّةٍ، حَيْثُ البِنَايَاتُ البَيْضَاءُ والبَيْضَوِيَّةُ، وهكذَا، إِلى اليَمِينِ مَنْ أَرَادَ الذِّهَابَ إِلى جَمَالِ وهُدُوءِ ورُقِيِّ السِتْ مِيَّة، والبَدَّالَةِ وأَسْرَارِهَا الوَرْدِيَّةِ، وهِيَ، أَيْ السِتْ مِيَّة، حَبِيبَتِي الشَّرْقِيَّةُ
كانَ المَلِكُ والرَّئيسُ إِذا زَارَ البِلادَ والبُلدَانَ وَقَفَ لَهُ الجَّمِيعُ وَقارَاً وإِحْتِراماً وقَبْلَ ذلِكَ يَأتِيَ الحُبُّ والإِعْجَابُ، كمَا زَارَ المَلِكُ الحَبِيبُ فَيصَل الثَّانِي، مَثَلاً، بِريطانيَا فَجَاءَ لِإِسْتِقْبَالِهِ الحُشُودُ والمَلِكةُ والبَلاطُ والبِلادُ والعِبَادُ، لِأَنَّهُ، بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، يَا سَادَة، مَلِكُ العِرَاقِ، سَيِّدُ المَقَامِ وأَرْضِ الكِتَابِ والحَضَارَاتِ والمَلَكِيَّةِ ومَا كانَ لَهَا مِنْ عِزٍّ وقُوَّةٍ وسِيَادَةٍ ورُقِيٍّ. وَأَمَّا اليَوْمَ، فإِنْ "فَكَّرَ" المَسْئُولُ بِأَنْ يَزُورَ البِلادَ والبُلدانَ "بِالأَمْرِ والنِّداءِ أَوالإِسْتِدْعاءِ" فَهُوَ مَحْظُوظٌ مَحْظُوظٌ مَحْظُوظٌ يَا وَلَدي، إِنْ، كانَ فِي إِسْتِقبالِهِ طَبَّاخُ المَلِكِ أَو الرَّئيسِ، أَو، إِنْ كانَ أَكثَرُ حَظَّاً، مُديِرُ مَكْتَبِهِ أَو مُوَظَّفُ البَرِيدِ، ورُبَّمَا مَنْ أُحِيلَ عَلى التَّقَاعُدِ مِنْهُم لِعَدَمِ الأَهَمِّيَّةِ أَو ضِيقِ الوَقْتِ! وأَمَّا رَئيسُ الدّوْلَةِ ومُنْذُ سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا فَهُوَ يُقَدِّمُ "الشّاي يَا سَيّدي الدّوقَ،" ورَئيسُ الوُزرَاءِ لا يَدخُلُ الحَمّامَ قَبْلَ أَخْذِ الإِذْنِ مِنْ مَلالِيَ الجَّهْلِ فِي قُمَّ وطَهْرانَ، بَعْدَ أَنْ يُبْدِيَ ويُظْهِرَ الإِحْتِرامَ والشَّوْقَ والوَلاءَ والبَيَانَ
كانَتْ النِّسَاءُ قَبْلَ إِنْهِيَارِ 2003 يَتَنَافَسْنَ فِي العِلْمِ والأَزْيَاءِ والرُقِيِّ والإِتيكيتِ واللِياقَةِ واللبَاقَةِ والهُدُوءِ والفَنِّ والرّقْصِ والمُوسِيقى والأُنُوثَةِ والدَّلالِ والجَّمَالِ -- وهُدُوءُ الرِّجَالِ. وأَمَّا اليَوْمَ، فَالنِّسوةُ أَو "النِّسْوانُ لا النِّسَاءُ" يَتَنَافَسْنَ فِي عَمَلِيَّاتِ "التَّجْمِيلِ" والتَّشْوِيهِ والفَضَائِحِ والشَّتَائِمِ وإِنْحِطَاطِ صَفَحَاتِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ أَو اللَطْمِ والغَرَقِ فِي التُّرَابِ والأَوْحَالِ -- وصُرَاخُ الرِّجَالِ
الكرَّادَةُ بِجَنَاحَيْهَا ومَسَاجِدِهَا وكَنَائِسِهَا وشُمُوعِهَا البَيْضَاءِ، والدِلالُ ومَاءُ كهْرَمَانَةَ الحَسْنَاءِ، لِنَعْبُرَ ونَصِلَ إِلى الزِّحَامِ والمِيدَانِ وبَابِ المُعَظَّمِ والشَّيْخِ مَعْرُوفَ والكِفَاحِ والشَّوَارِعِ والسَّاحَاتِ...، والشِّيخُ عُمَر والأَحْيَاءُ الصِّنَاعِيَّةُ والوِرَشُ والسَّيَّارَاتُ... مَرْحَبَاً دِجْلَةَ الخَيْرِ فِي لَيَالِ السَّمَرِ، والقَارِبُ الصَّغِيرُ والبَلَمُ الأَصْغَرُ، والقِشْلَةُ والتأريخُ والعَسَاكِرُ والعَسْكرُ، والقَصْرُ العَبَّاسِيُّ والحَجَرُ الأَصْفَرُ، والمَدْرَسَةُ المُسْتَنْصِريَّةُ والتأريخُ إِنْ تَكَلَّمَ وحَدَّثَ وأَخْبَرَ وخَبَّرَ، سُوقُ الصَفَافِيرِ والطَّرْقِ بالمَسَامِيرِ، الفَنُّ والذَّوْقُ والتُّحَفُ والأَنْتِيكاتُ والسَمَاوَرُ، والعُمُلاتُ والتأرِيخُ والحَنِينُ والأَصْلُ والدَّنَانِيرُ، والبَشَرُ فِي السُّوقِ كَثِيرٌ وهُم الطَّيِّبُونَ مِنَ البَشَرِ، مِنْهُم مَنْ تَنَاوَلَ الطَّعَامَ ومِنْهُم مَنْ شَرِبَ الشَّايَ أَو العَصِيرَ، مِنْهُم مَنْ تَذَكَّرَ مِنْ أَيَّامِهِ الكثِيرَ، فَذَكِّرْ بِالخَيْرِ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى والتَّذْكِيرُ، ومِنْهُم مَنْ أَدْمَعَ حُبَّاً وفِي حُبِّ بَغْدَادَ ظَلَّ أَسِيرٌ، وهذَا إلى السَّاعَةِ يُشِيرُ، والقُلُوبُ والأَذْوَاقُ والطُيُورُ فِي سَمَاءِ بَغْدَادَ تَطِيرُ، والنَحَاسُ والفِضَّةُ والسَجَّادُ والحَصِيرُ، سُوقُ السَّرَاي والقِرْطَاسُ والكُرَّاسُ ومَوَاسِمُ المَدَارِسِ والجَّامِعَاتِ، ونَعْبُرُ مَرَّةً أُخْرَى، تِلْكَ هِيَ السَّفَارَاتُ، والأَحْيَاءُ الرَّاقِيَةُ والنَّقَابَاتُ، والمَنْصُورُ ومَعْرَضُ الزُّهُورِ، شَوَارِعٌ وطُرُقٌ جَمِيلَةٌ فِيهَا الرُّقِيُّ والنِّظَامُ والمُرُورُ
كُلُّهُم قَالو لِشِيعَةِ العِرَاقِ "يَا شِيعَةَ العِرَاقِ مِنْكُم قَدْ تَعِبْنَا، شِئْنَا فأَبَيْتُم ثُمَّ شِئتُم فأَبَيْنَا، وتَعِبَ مِنْكُم الرَبُّ والأَرْبابُ!" فَشِيعَةُ العِرَاقِ قَدْ أَحَبُّو "ولَوْ نِفَاقَاً" الإِمَامَ عَليٍّ ثُمَّ إنْقَلَبو عَليْهِ! نَافَقُو إبْنَهُ الحُسَيْنَ ثُمَّ أنْقَلَبو عَليْه! وبَعْدَ عُقُودٍ ودُهُورٍ هَلّلو لِنُوري السَّعيدِ وهُم يُغَنُّونَ "نُوري السَّعيد شَدَّة وَرِد، وصَالِح جَبُر رَيْحانَه،" ثُمَّ - وبَعْدَ أَرْبَعٍ وعِشْرينَ سَاعَةٍ - إنقَلبُو عَلى نُوري السَّعيدِ وشَتَمُوهُ وهُم يَهْتِفُونَ "نُوري السَّعيد القُنْدَرَة، وصَالِح جَبُر قِيطانَه!" وَهَلّلو لِلمُلُوكِ والرُّؤَسَاءِ ثُمَّ إنقَلَبو عَليهِم
لكِنْ كيْفَ بَدَأتْ اللعْنّةُ ومَعَهَا الشَّرُّ والشّؤْمُ؟؟ وَمَتى إسْتَيْقظَ الشَّيْطانُ؟؟ كانَتْ إيرانُ قبلَ ثَوْرةِ العِمَامَةِ والشَّيطانِ عَرُوُسَ الشَّرْقِ فِي الشَّرْقِ. لكِنَّ الغَرْبَ والصِّغَارَ والكِبَارَ والشَّرِكاتِ والتُّجَّارَ تَآمَرُو عَلى شَاهِ إيرانَ، والأَنْظارُ عَلى باريسَ وبَرْلينَ ومُخابَراتِ الأَلمَانِ. ورَفَضَ الشَّاهُ أنْ يُوَقِّعَ الوَرَقَةَ والوَرَقَ أَو أَنْ يُعْطِيَ شَيْئَاً مِنَ الإِطْمِئْنَانِ. والغَرْبُ، كعادَتِهِ، يُفَكِّرُ بالنَّفْطِ والمَالِ وأَرْضِ العَرَبِ والشّرْقِ، وهكذَا، رُفِعَ ا"الكارتُ" الأَحْمَرُ وإِنْهارَ الحُلْمُ الإيرانِيُّ كالرِّيحِ الصَّفْراءِ والبَرْقِ. وإِنْتَهَى كُلُّ شَيءٍ، فَهَرَبَتْ العَرُوُسُ والحَجَرُ إنْشَقّ، وقَتَلَ المَلالي شَقيقةَ العَرِيسِ وقَتَلُو العَرُوُسَ، وهَرَبَ العَرِيسُ إلى مِصْرَ وبَكى الأطفالُ، وهَرَبَ الرِّجالُ، وسَالتْ دُمُوعُ أجْمَلِ نِساءِ شَرْكسَ وفارِسَ وإيرانَ. وغادَرَ القَمَرُ ومَعَهُ الحِسَانُ، وبَكتْ الحَسْناوَاتُ -- بَكتْ الحَسْنَاءُ كوكوش ومَعَهَا بَكى أهْلُ بَغْدادَ، فَقَدْ أَحَبُّوهَا وغَنَّتْ لَهُم زُورُونِي فَعَشِقُوهَا وكانَتْ لَهُم كالفَرَاشَةِ تَطيرُ إِلى العِرَاقِ أَرْضِ الجِّنَانِ. وهايدَه ونوش آفرين، لیلا فروهر وأجْمَلُ نِساءِ نَوْروزَ وأذربيجانَ. وغابَتِ الشَّمْسُ عَنِ إِيرَانَ -- بِلادِ الحُريَّةِ والسِّينَمَا والفَنِّ والفَلْسَفَةِ والشِّعْرِ والحَرِيرِ والسّجّادِ والأَلْوَانِ. فِيهَا الأَنْهَارُ والمَحَارُ، والطَبيعَةُ والأشْجارُ، فِيهَا الرُّزُّ والخُبْزُ والكافيَارُ، والغِناءُ والرَّقْصُ وجَمَالُ الأَلحانِ
كيْفَ؟! هُمُ البَشَرُ والجَّهْلُ والعِنَادُ والإِرَادَاتُ، هِيَ القِصَصُ والرِّوايَاتُ والإِشَاعَاتُ، هِيَ الكُتُبُ والكِتَابَاتِ، عَلِيٌّ وبَابُ فَاطِمَةَ والقِيلُ مَعَ القَالِ والحِكايَاتِ، بَيْعَةُ عُمَرَ والإِجْتِمَاعَاتُ والبِدَايَاتُ، كرْبَلاءُ والثَّورَاتُ، الحُسَيْنُ والرَّايَاتُ، يَزِيدُ والنِّهَايَاتُ، هِيَ عِبَادَةُ الجَّهْلِ والعِمَامَةِ والذَّاتِ، هِيَ، إِذَاً، الأَحْقَادُ والكلِمَاتُ والخُرَافَاتُ
فَحَكمَ الخَائِنُ قاسِمُ والغَوْغَاءُ مِنَ الجُهَلاءِ والجُهَّالِ، وبَدَأتْ الهَمَجِيّةُ وبَدَءَ العَبَثُ، وبَدَأتْ "المُحاكمَاتُ" وتَمَّ تَشْويهُ الجُّثَثِ. وسُحِبَتْ أَبْدانُ الأُمَرَاءِ فِي الشَّوَارِعِ والطُّرُقاتِ -- ثُمَّ أُحْرِقَتْ وعُلِّقَتْ فِي وَحْشِيّةٍ وهَمَجِيّةٍ شَوَّهَتْ كُلَّ الحَضَاراتِ والرِّسَالاتِ -- فَعَلَهَا البَشَرُ ولَمْ تَفعَلْهَا الحَيَوَاناتُ -- والعِراقِيُّون يُهَلّلونَ! لَمْ يَبْكُو عَلى المَلِكِ الشَابِّ الذِي أَحَبُّوهُ أَو "أَفْتَرِضُ أَنَّهُم أَحَبُّوهُ" فَيَحْمُوهُ أَو حَتّى يَسْألو خَائِنِيهِ وقَاتِلِيهِ... لِمَ تَقْتُلوُه! بَلْ تَجَمّعُو وتَجَمْهَرُو وهُمْ يَتَفَرّجُونَ، وأَثاثَ وهَدَايَا ومُقْتَنَياتِ القَصْرِ يَسْرِقونَ، وكُلَّ شَيءٍ يَنْهَبُونَ
لا تَتَعَجّبْ لِمَا كانَ، فَهذَا سُلُوكُ الغَوْغاءِ والمُنافِقينَ، وهذَا الزَّمَانُ إِذا إِنْقَلَبَ، وهَكذا هِيَ لَعَناتُ الإِنْسَانِ، أَو رُبَّمَا، هِيَ لَعَنَاتُ الرَّبِّ. فَهُناكَ شُعُوبٌ قالَتْ "نَحْمَدُ السَّمَاوَاتِ" عَلى نِعْمةِ الأَبِ الصَّالِحِ -- مِثْلُ الإِمَاراتِ -- عِندمَا أَهْداهُمُ اللهُ زايِدَ، وهُوَ شَيْخٌ طَيِّبٌ ومُسَالِمٌ وحَكِيمٌ، فَحَافَظو عَلَيْهِ وعَلى بِلادِهِم وشَكرُو الرَّحمَنَ الرَّحِيمَ -- أُنْظُرْ إِلى الإِمَاراتِ فِي هُدُوءٍ وَرَخَاءٍ ونَعِيمٍ. أَو أُنْظُرْ إِلى لُبْنانَ، عِندمَا وُلِدَ لَهُم القائِدُ المُحِبُّ لِوَطَنِهِ بَشيرُ الجمَيّل، لكِنَّهُم لَمْ يُحافِظو عَلَيْهِ كمَا يَجِبُ، كمَا أَرَادَ الرَّبُّ، كمَا أَرَادَتْ العَذْراءُ والِدَةُ الرَّبِّ، فَقُتِلَ الشّابُّ الشَّهيدُ وَبَكتْ السَّمَاءُ، ومَعَهَا بَكتْ العَذْرَاءُ -- أُنْظُرْ إِلى لُبنانَ... إِيرانِيُّونَ وسُوريُّونَ وعِراقِيُّونَ وفِلِسْطينيُّونَ ويَمَنِيُّونَ ومُرْتَزَقَةٌ آخَرُونَ -- فِي صُورَ وصَيْدا وبَيْرُوتَ والجَّنُوبِ والجِّبَالِ يَعْبَثونَ، ويَقْتُلونَ وَيغْتالُونَ، والقَنَابِلَ يُفَجِّرُونَ...، هَكذا هُوَ الأَمْرُ
لِتَأتِيَ سَبعينيَّاتُ السَّعَادَةِ والحُرِيَّاتِ والأَسْفَارِ...، مَعْرَضُ بَغْدادَ والشَّرِكاتُ الصِّينيَّةُ والصِّنَاعَاتُ والمَصَانِعُ والمَعَامِلُ والإِزْدِهَارُ، نَهْرُ الخَيْرِ وأَرْضُ السَّوَادِ والكرْخُ والرُّصَافَةُ والأَنْوَارُ، الشُورجَةُ والبابُ الشَرْقِيُّ والحَيَاةُ فِي شارِعِ السَّعْدونِ فِي اللَيْلِ والنَّهَارِ، وأَبُو نَؤَاسُ والشِّوَاءُ وفِي مَهَارَةِ الشِّوَاءِ أَسْرَارٌ، ولَذَّةُ السَّمَكِ العِرَاقِيِّ "المَسْكُوفِ" عَجَبٌ، عَلى ضِفَافِ دِجْلَةَ يَسْهَرُ العِرَاقِيُّونَ والعَرَبُ، والنّاسُ أَحْرَارٌ مَنْ يَشْرَبُ ومَنْ لا يَشْرَبُ، هِيَ الحُرِيَّةُ، والحُرِيَّةُ يَا سَادَة، هَديّةٌ مِنَ الرَّبِّ
لكِنْ رَغْمَ جَرائِمِ هِتْلَر وقَتْلِهِ لِمَلايينِ الأَبرياءِ رَمْيَاً بالرَّصَاصِ أَو التَّجْويعِ أَو الحَرْقِ فِي السُّجونِ ومُعَسْكرَاتِ "العَمَلِ" والإِعْتِقَالِ، إِلاّ أَنَّ كلِمَاتِهِ لِعَشيقَتِهِ الحَسْنَاءِ الحَزينَةِ إِيفا براون التي أَصْبَحَتْ "فراو هِتْلَر" أَو السَّيِّدة هِتْلَر قَبْلَ سَاعَاتٍ مِنْ نِهايَتِها مَعَ هِتْلَر إِنْتِحاراً -- هُوَ بالرَّصَاصِ وهِيَ بِكبْسُولَةِ السُّمِّ ثُمَّ الرَّصَاصِ فِي السَّاعَةِ الثّالِثَةِ والنِّصْفِ ظُهْراً -- ومَا قالَهُ ودُوِّنَ فِي أَرْشِيفِهِ السِّرِّيِّ يَسْتَحِقُّ أَنْ أَقِفَ عِنْدَهُ بِشَيءٍ مِنَ الإِسْقَاطِ والوُضُوحِ، إِذْ قالَ لَهَا، وهُمَا يَتَحَدَّثانِ ويَتَهامَسَانِ بأُمُورِ الحَياةِ وأيَّامِها الأُولَى، والدُّنْيا وغَدْرِهَا، والحُبِّ والخِيانَةِ ومَا جَرَى، ومَاهِيَّةِ الأحْداثِ الأُخْرَى "حَبيبَتِي إِيفا، لَقَدْ عِشْتُ كثيراً حَتّى قَبْلَ أَنْ أُولَدَ بِسِنِين، وأَحْبَبْتُ القَليلَ مِنَ البَشَرِ وكرِهْتُ الكثيرَ مِنْهُم، وأَمَّا مَنْ إِحْتَقَرْتُهُم أَكْثَرَ وأَكْثَرَ فَهُم الذينَ سَاعَدُونِي فِي إِحْتِلالِ أَوْطانِهِم الأُمِّ، وكانُو لِي يُهَللِونَ!" وهكذَا، أَقْسَى المُجْرِمينَ وأَقَلُّهُم رَحْمَةً فِي التأريخِ إِحْتَقَرُو خَوَنَةَ أَوْطانِهِم، وكلِماتِي هذِهِ وإِسْقاطاتِي التأريخيَّةِ لِهَؤُلاءِ الذينَ سَاعَدو أَمريكا وإِيرَانَ عَلى إِحْتِلالِ العِرَاقِ وهُمْ يُهَللِونَ، وقَتْلِ العِراقِيّينَ وإِغْتِصابِ النِّسَاءِ والأَسْرى فِي سُجُونِ أَبو غريب وهُم يَضْحَكُونَ -- وأُولَـٰئِكَ الذينَ سَاعَدو بِريطانيا فِي تَدْميرِ البَصْرَةِ وقَتْلِ أَهالِيها وهُمْ يُغَنّونَ، والتَبَوُّلِ عَلى رُؤوسِ أَسْرَاهَا فِي سُجُونِها وهُمْ يَسْكرُونَ ويَرْقُصُونَ ويُصَوِّرونَ ويَحْتَفِلُونَ
لكِنَّ كرَاهِيَةَ هِتْلَرَ لِليَهُودِ شَابَهَا "بَعْضُ" النِّفَاقِ وعَلامَاتِ الإِسْتِفْهَامِ التِي دُوِّنَتْ فِي مَلَفِّهِ السِّرِّيِّ، وهذَا دَلِيلٌ عَلى أَنَّ حِقْدَهُ عَلى اليَهُودِ كانَ لِأَسْبَابٍ شَخْصِيَّةٍ "فِي مُعْظَمِهَا" ولَيْسَتْ أَيديُولوجيَّاتٍ وأَفْكارٍ وفَلْسَفَةٍ عَقْلِيَّةٍ. مَثَلاً، إِحْتِرَامُهُ للسَّيِّدِ إِدوارد بلوخ وهُوَ الطَّبِيبُ العَائِلِيُّ لِعَائِلَةِ هِتْلَرَ فِي مَاضِيهِ وكانَ يَهُودِيَّاً صَالِحَاً أَحَبَّ هِتْلَرَ وكانَ يُسَاعِدُهُ طِبِّيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً وإِنْسَانِيَّاً خَاصَّةً فِي أَوْقَاتِ مَرَضِ أُمِّهِ الشَّدِيدِ. وعِندمَا وَصَلَ هِتْلَرُ إِلى قِمَّةِ النُّفُوذِ والسُّلْطَةِ والمَجْدِ أَهْدَى الطَّبِيبَ بلوخ إِحْدَى لَوْحَاتِهِ وأَطْلَقَ عَلَيْهِ لَقَبَ "اليَهُودِيُّ النَّبِيلُ،" وكانَ مُسْتَثْنَى مِنْ إِحْتِمَالاتِ التَّعْذِيبِ والمَحْرَقَةِ والإِجْرَامِ النَّازِيِّ. وأَذْكُرُ هُنَا مِثَالاً آخَرَ، وهِيَ عَشِيقَةُ هِتْلَرَ وزَوْجَتُةُ فِي "الوَقْتِ الضَّائِعِ" الحَسْنَاءُ إِيفَا برَاون -- إِذْ كانَتْ مِنْ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ وكانَتْ جَدَّتُهَا يَهُودِيَّةً طَيِّبَةً وصَالِحَةً -- وكانَ هِتْلَرُ لِإِيفَا حَبِيبَاً وقَدَرَاً مُمِيتَاً، وكانَتْ لَهُ رَغْبَةٌ وحَيَاةٌ
لكِنْ لا يَجِبُ عَلى العِراقيِّينَ والعَرَبِ أَو العُقَلاءِ مِنْهُم أَنْ يَنْسَوْ أَنَّ المَلايينَ مِنَ الأَمريكانِ والبِريطانِيِّينَ وأَهْلِ الأَرْضِ كانُو يَجُوبونَ الشَّوارِعَ والأَحْيَاءَ إِحْتِجَاجَاً ورَفْضَاً لِحَرْبِ الخَليجِ "العَرَبِيِّ" وإِحْتِلالِ العِرَاقِ وتَدْميرِهِ مِنْ أَجْلِ النَّفْطِ والثَّرَوَاتِ والأَحْقَادِ الشَّخْصِيَّةِ. وأَنَّ قَرَارَ الحَرْبِ فِي إِحْتِلالِ البَيْتِ الأَبْيَضِ للعِرَاقِ -- كمَا قَرَارَ الحَرْبِ وإِحْتِلالِ العِرَاقِ للكُويَتِ -- لَيْسَ إِلاّ قَرارَ شَخْصٍ وأَشْخاصٍ وأَفْرادٍ ولا عِلاقَةَ للشُّعُوبِ بالأَمْرِ المُخْزِيّ فِي هذَا وذَاكَ
لكِنَّ مَنْطِقَ الإِنْسَانِ أَنَّ حُبَّ الأَوْطَانِ والحِفَاظَ عَليْهَا لا يَقُومُ ويَسْتَقيمُ إِلاّ مِنْ أَصْحابِ الأَرْضِ ومَنْ تَعِبَ فِي زِراعَتِهَا وتَعَرَّقَ فِي إِعْلاءِ البُنْيَانِ، مَعَ الصَّبْرِ والحِكْمَةِ دُونَ أَن يَقَعَ فِي فَخِّ الغَضَبِ والغُرُورِ وجُنُونِ العَظَمَةِ والنِسْيَانِ
لكِنَّ هِتْلَرَ، بِالعَوْدَةِ إِلَيْهِ، أَخْفَى عَنْ نَفْسِهِ والآخَرِينَ والتأرِيخِ شَيْئَاً ولَو القَلِيلَ واليَسِيرَ مِنْ جُذُورِهِ اليَهُودِيَّةِ
لِنَصِلَ إِلى صَدّام حسين الذي إِحْتَارَ فِي أَمْرِهِ التأريخُ والزَّمانُ إِحْتَارَ-- وإِحْتَارَ فِي أَمْرِهِ القَادَةُ العَرَبُ وخَافُو مِنْهُ ومِنْ قُوَّتِهِ وشَخْصِيَّتِهِ أَو رُبَّمَا غارُو مِنْهُ وقَلَّدُوهُ فِي عِلاقَتِهِ الوَثِيقَةِ مَعَ النَّاسِ وقُرْبِهِ مِنْ طَبَقَاتِ شَعْبِهِ وزِيَارَاتِهِ لَهَا. لكِنَّ العَرَبَ لَمْ يَفْهَمُوهُ، فَهُوَ رَغْمَ خَلْفِيَّتِهِ الرِّيفيَّةِ والقَبَلّيّةِ التِي أَسَاسُهَا القُوَّةُ والحَزْمُ والقَسْوَةُ العَشَائِريَّةِ إِلاّ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ هذَا وذاكَ وبَيْنَ التَمَدُّنِ والثَّقافَةِ وهِيَ ثَقافَةُ الكُتُبِ التِي ذابَ فِيهَا لِسِنَواتٍ. فأَصْبَحَ شَخْصِيَّةً فَرِيدَةً بِحُضُورٍ لافِتٍ وصَوْتٍ مُمَيَّزٍ وكاريزما خاصَّةٍ جَعَلَتْ مَنْ عَرَفُوهُ مِنْ جِيلِهِ وحَتّى أَجْيَالِ اليَوْم إِمَّا أَنْ يَحْتَارُو فِيهِ، أَو يُحِبُّوهُ، أَو يَخَافُوهُ. فَقَدْ حارَبَ مَلالِي إِيرانَ وكسَرَ أُنوفَ فارِسَ وأَحْزابَ الخَرَابِ والدَّمَارِ وهذَا لَيْسَ بالأَمْرِ الهَيِّنِ -- ومَا يَحْصُلُ فِي أَيَّامِنَا دَلِيلٌ عَلى ذَلِكَ. وكانَ شُجَاعٌ قَوِيٌّ حازِمٌ عادِلٌ ماكِرٌ أَنيقٌ وَسيمٌ وفِيهِ وَقَارٌ، ورُبَّمَا مُتَهَوِّرٌ أَيْضَاً كيْ أَبْقَى واقِعِيَّاًومُخْلِصَاً لِقَلَمِي. وكانَ العِرَاقُ فِي سَنَواتِ حُكْمِهِ وحَرْبِهِ عَلى عِمامَاتِ طَهْرَانَ يَحْظَى بِالسِّيادَةُ والكرَامَةِ التِي حُرِمَ مِنْهَا بَعْدَ إِنْهِيَارِهِ فِي سَنَةِ 1003 ومَا تَلاهَا ويَلِيهَا. فَحَمَى العِرَاقَ والعَرَبَ مِنْ ثَعابينِ الجَّهْلِ والفِتَنِ، وهّذا لا يُقَدَّرَ بِثَمَنٍ. وكانَتْ المُخَدَّراتُ فِي زَمانِهِ لا وُجودَ لَهَا إِلاّ مَا قَلَّ ونَدَرَ، ولا وُجُودَ للفَسَادِ الإِدارِيِّ أَو الحُكومِيِّ ولا مَفَرَّ، إِذْ أَنَّ عُقوبَةَ الإِعدامِ كانَتْ لِتُجّارِ المُخَدّراتِ والمُدَراءِ والوُزَراءِ والفاسِدينَ والسُّرّاقِ بالمِرْصَادِ
لِهذَا لا يَجِبُ مُحاسَبَةُ الشُّعوبِ، أَو عَلى الأَقَلِّ، لا يَجِبُ كراهيَّتُها أَو إِتِّهامُهَا بأَحْداثٍ تأريخيَّةٍ أَو أَخْطَاءٍ "سِيَاسِيَّةٍ" جَسِيمَةٍ أَو قَرَاراتِ الحَرْبِ والسِّلْمِ فِي بِلادِ الرَّأْيِ الوَاحِدِ، وهِيَ، أَيْ الشُّعوبُ، مَغْلُوبَةٌ عَلى أمْرِهَا
مَثَلاً، عِندمَا كُنْتُ أَعِيشُ فِي بَرلِينَ التي دَرَسْتُ وعِشْتُ فِيهَا، كانَ الأَمْرُ وَاضِحَاً وجَلِيَّاً بَيْنَ شَمَالِ بَرْلِينَ الهَادِئِ نَوْعَاً مَا، أَو جَنُوبِ غَرْبِهَا المَعْرُوفِ بِنَظَافَتِهِ وهُدُوءِهِ ورُقِيِّ سَاكِنِيهِ، وبَيْنَ غَرْبِهَا بِزِحَامِهِ الشَّدِيدِ خَاصَّةً بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ مَقْصَدَ المُهَاجِرِينَ فِي السَّنَةِ الأَخِيرَةِ لِفَوْضَى قَوَانِينِ بَلَدِيَّاتِهِ وفَسَادِ "بَعْضِ" المُوَظَّفِين مِنْ ذَوِي الأُصُولٍ العَرَبِيَّةِ، وبَيْنَ شَرْقِهَا المَعْرُوفِ بِنَازِيَّةِ قَاطِنِيهِ وكرَاهِيَّتِهِم للغُرَبَاءِ، أَو وَسَطِ المَدِينَةِ أَو وَسَطِ جَنُوبِهَا قَلِيلاً وخَاصَّةً حَيِّ "نُويكُولن" المَعْرُوفِ بِأَوْسَاخِهِ وعَشْوَائِيَّاتِهِ ومُعَدَّلِ جَرَائِمِ سَاكِنِيهِ وحُبِّهِم لِلعُنْفِ والسُّوقِيَّةِ والفَوْضَى والصُّرَاخِ والعَوِيلِ -- أَو حَتّى "اللَّطْمِ" فِي الشَّوَارِعِ والتَسَبُّبِ فِي الفَوْضَى، وهُنَا أَتَحَدَّثُ عَنِ الأَجَانِبِ مِنَ الطَّائِفَةِ الشِّيعِيَّةِ -- أَو المُظَاهَرَاتِ السِّيَاسِيَّةِ أَمَامَ كامِيراتِ الفَضّائِيَّاتِ، ثُمَّ تَكْسِيرِ المَحَلاَّتِ والأَسْوَاقِ والمَرَافِقِ العَامَّةِ والعِرَاكِ مَعَ الشُّرْطَةِ عِندمَا تَنَامُ الكامِيرَاتُ -- ومُعْظَمُ سَاكِنِيهِ مِنَ المُهَاجِرِينَ والمَافِيَاتِ العَرَبِيَّةِ والخَلايَا الإِرْهَابِيَّةِ ومَجَامِيعِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلامِيَّةِ التي أَصْبَحَتْ أَحَادِيثَ المُجْتَمَعَاتِ اليَوْمِيَّةِ وأَخْبَارَهَا، خاصَّةً مِمَّنْ جَاءَ وحَضَرَ ودَخَلَ أَلمَانيَا فِي سَنَةِ 2015 أَيْ قَبْلَ خَمْسِ سَنَوَاتٍ مِنْ كِتَابَةِ كلِمَاتِيَ هَذِهِ عِندمَا فَتَحَتْ المُسْتَشَارَةُ الأَلْمَانيَّةُ أَنجِيلا مِيركل بَابَ البِلادِ عَلى مِصْرَاعَيْهِ، فَكانَتْ فُرْصَةُ العُمْرِ لِدُخُولِ آلآفِ العَوَائِلِ الطَّيِّبَةِ، وهَذا بَابٌ إِنْسَانِيُّ. لَكِنْ، لِلأَسَفِ، مَعَهَا أَيْضَاً آلآفُ المُجْرِمِينَ والسُّوقِيِّينَ والإِرْهَابِيِّنَ "ومِنْهُم أَنِيس عَمْرِي أَو العَمْرِي أَو العَامِرِيّ" أَو الطَّائِفِيِّينَ والمُتَعَصِّبينَ مِنَ جُهَلاءِ العِلْمِ والدِّينِ والسِّيَاسَةِ والإِجْتِمَاعِ وعَدِيمِيّ الأَخْلاقِ والرُّقِيِّ والتَّرْبِيَةِ، وهذَا بَابٌ تَخْرِيبِيٌّ. نَعَم، يَا سَادَة، هَذِهِ هِيَ أَلمَانيَا اليَوْم! وصَلَتْ؟
مَثَلاً، فِي حَرْبِ 1948 والتي غَيَّرَتْ الكثِيرَ مِنْ فُصُولِ التأرِيخِ بَيْنَ العَرَبِ وإِسْرَائِيلَ، وفِي وَقْتٍ كادَ العَرَبُ فِيهِ بِكُلِّ جُيُوشِهِم أَنْ "يُدَمِّرُو" إِسْرَائِيلَ ومُجْتَمَعَاتِهَا الوَلِيدَةِ، حَدَثَ أَمْرٌ أَشْبَهُ بِالمُعْجِزَةِ أَو، كيْ أَبْقَى وَاقِفَاً عَلى أَرْضِ الوَاقِعِ، حَرَكةٌ أَشْبَهُ بِ "كِشْ مَلِك" فِي لُغَةِ ولُعْبَةِ الشِّطْرَنْجِ -- فِي "الوَقْتِ الضَّائِعِ" وفِي فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ الحَرْبِ -- أَثْبَتَ قَطْعَاً أَنَّ الإِنْسَانَ لا يُدْرِكُ مَقَادِيرَ الأُمُورِ وأَقْدَارَ السَّمَاءِ ومَا يَكُونُ، وذَلِكَ عِندمَا أُنْقِذَتْ "إِسْرَائِيلُ" بِطَائِرَاتِ "أَلمانيَا النَّازِيَّةِ" التي قَلَبَتْ مِيزَانَ القُوَى فِي الحَرْبِ وغَيَّرَتْ الكثِيرَ مِنْ أَقْدَارِ العَرَبِ وإِسْرَائِيلَ كمُجْتَمَعٍ ودَوْلَةٍ
كيْفَ؟ فِي خِضَمِّ الحَرْبِ والحَيَاةِ والصُّعُوبَاتِ قَامَتْ جُولدا مَائِير -- التِي وُصِفَتْ بِأَنَّهَا إِحْدَى أَذْكى نِسَاءِ الأَرْضِ فِي مَقَامٍ مَا -- بِجَمْعِ الكثِيرِ مِنْ أَمْوَالِ المُتَعَاطِفِينَ فِي الولايَاتِ المُتَّحَدةِ وأُورُوبّا ومَنَاطِقٍ أُخْرَى. وإِلْتَقَتْ سِرَّاً وعَلَنَاً ولَيْلاً ونَهَاراً "رَغْمَ آلامِهَا ومَرَضِهَا" بِسَادَةِ وأَسْيَادِ الكوَالِيسِ وأَشْبَاحِ السَّفَارَاتِ وتُجَّارِ السِّلاحِ. فَكانَتْ جُهُودُهَا - بِالإِضَافَةِ إِلى قَرَارِ ستالِين المُنْتَصِرِ بِدَعْمِ القَضِيَّةِ الصِّهْيُونِيَّةِ - عَامِلاً غَيَّرَ كُلَّ شَيءٍ فِي التَّأرِيخِ والحَرْبِ والسَّلامِ
وأَمَّا مِصْبَاحُ عَلاءِ الدِّينِ فَكانَ حُصُولُ جُولدا مَائِير عَلى بَعْضِ الصَّفَقَاتِ ومِنْهَا مَخْزُونَاتِ الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ وطَائِرَاتِ الجَّيْشِ الأَلمانِيِّ التِي إِسْتَوْلَى عَلَيْهَا المُقَاوِمُونَ والجُّيُوشُ المُنْتَصِرَةُ فِي التشِيك وأُوروبّا الشَّرْقِيَّةِ بَعْدَ هَزِيمَةِ أَلمانيَا النَّازِيَّةِ. وهكذَا، دَارَتْ عَجَلَةُ الزَّمَانِ لِتَكُونَ الطَّائِرَاتُ النَّازِيَّةُ التِي قَتَلَتْ مَلايِينَ اليَهُودِ قَبْلَ سَنَوَاتٍ، هِيَ ذَاتُهَا، الطَّائِرَاتُ التِي تُجْهِزُ عَلى أَعْدَاءِ اليَهُودِ وتَكُونُ سَبَبَاً فِي إِنْقَاذِهِم وإِرْسَاءِ دَعَائِمِ دَوْلَةِ إِسْرَائِيلَ. فَهَلْ تَعَلَّمَ العَرَبُ والشَّرْقُ والغَرْبُ الدَّرْسَ -- بِأَنَّ الأَرْضَ كُرَوِيَّةُ الشَّكْلِ والتَّصْمِيمِ والأَقْدَارِ؟ وأَنَّكُم، مَرَّةً أُخْرَى، تَضْحَكونَ وتَضْحَكُ الأَقْدَارُ
مَثلاً، كانَ العِراقِيُّونَ والعَرَبُ فِي سَنَوَاتِ المَلَكِيَّةِ والمَلَكيَّاتِ، وقَبْلَ غَسْلِ عُقُولِهِم بالجَّهْلِ والنّازيَّةِ والنَّاصِريَّةِ والقَوْمِيَّةِ وكُلِّ هَذهِ الأَوْهَامِ السِّيَاسِيَّةِ، يَتَمَتّعونَ بالرُقِيِّ والثَّقافَةِ والهُدُوءِ وحُبِّ القِراءَةِ والدِّراسَةِ والإِطِّلاعِ والسَّفَرِ والبِنَاءِ وكُلِّ جَديدٍ ومُمْتِعٍ لِتَكونَ للحَياةِ أَلوانٌ ويَكونَ للأَيّامِ مَعْنَى. لِمَاذَا؟ لأَنَّ المُلوكَ والأُمَراءَ والأَميراتِ كانو هكذا، والشُّعوبُ تُشْبِهُ حُكَّامَهَا. وكانَ للمَلِكِ الحَبيبِ فيصَل الثّاني، مَثَلاً، حُلماً وأَحْلاماً فِي أَنْ يَجْعَلَ العِرَاقَ أَشْبَهَ بالمَمْلَكةِ المُتَّحِدةِ وأَنْ تَكونَ بَغدادُ لَنْدَنَ الشَّرْقِ والعَرَبِ. وكانَ المَلِكُ الشَّابُّ المُحِبُّ لِبَلَدِهِ وشَعْبِهِ يُخَطِّطُ لِهذا كمَا كانَ وهُوَ فِي أَرشيفِ العِرَاقِ الذي أَحْرَقَ وزَوَّرَ وشَوَّهَ الكثيرَ مِنْهُ المَعْتُوهُ عَبد الكريم قاسِم، لكِنَّ الأَصْلَ مِنَ الوَثَائِقِ حُفِظَ فِي أَرشيفِ لَندَنَ وبَرلينَ، لِأَنَّ الزَّمَانَ والمَكانَ "وهُمَا مِنْ أَوْلادِ التأريخِ" أَكْثَرُ مَكْرَاً مِنْ خَائِنِ الزَّمَانِ والمَكانِ
المَدَارِسُ والثَّانَوِيَّاتُ النّمُوذَجِيَّةُ... ومِنْهَا وأَرْقَاهَا ثَانَوِيَّةُ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ... ومَا أَدْرَاكَ مَا كُلِيَّةُ بَغْدَادَ؟! كُلِيَّةُ بَغْدَادَ والبَسَاتِينُ والحَدَائِقُ والرَّيْحَانَةُ والرَّيَاحِينُ ومَلاعِبُ الكُرَةِ والسَّلَّةِ والسَّاحَاتُ والكُورتَاتُ والكُرَاتُ وأَوْلادُ السُّفَرَاءِ والسَّاسَةِ والعَائِلاتُ الأَصِيلَةُ والطَّيِّبَةُ والرَّاقِيَةُ، العِرَاقِيَّةُ والعَرَبِيَّةُ -- مِنْ كُلِّ الأَدْيَانِ والدِّيَانَاتِ والثَّقَافَاتِ -- والبِنَايَاتُ والصُّفُوفُ والفُصُولُ والقَاعَاتُ والمُخْتَبَرَاتُ العِلْمِيَّةِ والمَكْتَبَاتُ، والأَسَاتِذَةُ الكِرَامُ والمُدَرَاءُ الرُّقَاةُ، أَذْكُرُ البَعْضَ مِنْهُم بِكُلِّ حُبٍّ ومَحَبَّةٍ وتَقْدِيرٍ وفَخْرٍ وإِحْتِرَامٍ وعِرْفَانٍ، مَعَ حِفْظِ الأَلْقَابِ مَعَ الشُّكْرِ والإِمْتِنَانِ، أُسْتَاذُ قُتَيْبَة وفَازِع ومَهْدِي وسَمِير ونُورِي وبَاسِمُ وإِنْتِصَارُ ولطيف وأَحمد ومحمّد وفرانسيس وعَبدُ الواحِد وماجِد "أُوربِتَالل -- وأَتَعَمَّدُ هُنَا كِتَابَةَ حَرْفِ الّلامِ مَرَّتَيْنِ، بِكُلِّ إِحْتِرَامٍ، فَقَط لِلذِكْرَى الجَّمِيلَةِ بِأَيَّامِهَا الأَجْمَلِ" والأُسْتَاذُ الفَاضِلُ فَاضِل وأُسْتَاذُ خِضر... والأُستَاذَةُ الجَمِيلَةُ خالِدة ومَيْسُون وخَدِيجَة وكوَاكِب... أَرْقَى الأَسَاتِذَةِ والمُدَرِّسِينَ وهُم فِعْلاً فِي سَمَاءِ العِلْمِ والتَّعْلِيمِ نُجُومٌ وكوَاكِبٌ
وحَسْنَاءُ الفَنِّ والرَّسْمِ السِتْ صَبِيحَة... جَمَالٌ وأُنوثَةٌ وطِيبَةٌ وبَسَاطَةٌ وإِحْتِرَامٌ وإِسْمٌ عَلى مُسَمًّى -- فتاةٌ صَبيحَةٌ بِجَمَالِهَا وشَعْرِهَا وأُنُوثَتِهَا المُتَفَجِّرَةِ، دُرَّةٌ وجَوْهَرَةٌ، بِحُسْنِهَا وسَمَارِهَا نَادِرَةٌ، يَرَاهَا مُرْهَفُو الحِسِّ مِنَ الطُّلاَّبِ فِي أَوَّلِ النَّهارِ وهُم لَهَا عَاشِقُونَ، وبِهَا حَالِمُونَ، لِقُدُومِهَا مُنْتَظِرُونَ، يَحِينُ الدَّرْسُ والطُّلاَّبُ كُلُّهُم "بِقُدْرَةِ قَادِرٍ" دُونَ غِيَابٍ حَاضِرُونَ، فَلا مَرَضَ ولا أَعْذَارَ ولا شَكْوَى، ولا إِجَازَاتٍ ولا ذِكْرَ للجُنُونِ، بَلْ يُؤَجَّلُ كُلُّ ذَلِكَ لِدُرُوسٍ أُخْرَى... تَمُرُّ هِيَ بِصَوْتِ كعْبِهَا الحَنُونِ، لِيَكُونَ الصَّمْتُ والهُدُوءُ والسُّكونُ، فَصَمْتَاً يَصْمُتُونَ، كعْبُ الغَزَالِ والرُّخَامُ، صَهٍ صَهٍ، العُيُونَ يُغْمِضُونَ، الآذَانَ يَفْتَحُونَ، لَحْنَ الأُنُوثَةِ يَسْمَعُونَ، أَنْغَامَ أُغْنِيَةِ "الكعْبِ" يَسْتَمِعُونَ، ثُمَّ يَتَنَهَّدُونَ، إِيهٍ، لِتُفْتَحَ العُيُونُ، إِلَيْهَا يَنْظُرُونَ، والشُّجُونُ ومَا أَدْرَاكَ مَا الشُّجُونُ، لِتُصْبِحَ مَادَّةُ الفَنِيَّةِ "فَجْأَةً" المَادَّةَ المُفَضَلَّةَ لَدَى الجَّمِيعِ، فَتَعَجَّبُ الأَسَاتِذَةُ والمُدَرَاءُ وأَوْلِيَاءُ الأُمُورِ ويَشْكُرُونَ العَلِيَّ القَدِيرَ عَلى إِلْتِزَامِ الطُّلاَّبِ والأَبْنَاءِ و "أَحَاسِيسِهِم" المُرْهَفَةِ و "حُبِّهِم" لِلفَنِّ والرَّسْمِ و "مَوَاهِبِهِم" ومُسْتَقْبَلِهِم الفَنِّيِّ المُنِيرِ! وبِسَبَبِ المُدَرِّسَةِ الحَسْنَاءِ أَصْبَحَ كُلُّ طَالِبٍ فِي كُلِيَّةِ بَغْدَادَ أَكْثَرَ مَوْهِبَةً مِنْ بَابلو بِيكاسو وأَميديو مُوديلياني وأُوجست رِينوَار، بَلْ وحَتّى كلود مُونِيه، وإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ
ويَذْكُرُ "جَدِّي" أَنَّهُ ذَاتَ مَرَّةٍ وهُم إِلى الرَسَّامَةِ الفَاتِنَةِ يَنْظُرُونَ، وأَنْغَامَ صَوْتِهَا يَسْمَعُونَ، وإِلى طَقْطَقَةِ كعْبِهَا يُنْصِتُونَ، وحَرَكاتِهَا ودَلالِهَا يُرَاقِبُونَ، ومِنَ الدَّرْسِ شَيْئَاً لا يَفْهَمُونَ، وحَتّى عُنْوَانَ الدَّرْسِ لا يَعْلَمُونَ، وكُلُّهُم "فِي صَمْتٍ" فِي الجَّمَالِ يُرَكِّزُونَ، وإِذَا بِأَحَدِهِم قَامَ بِأَمْرٍ لَيْسَ فِي الظَّنِّ والحُسْبَانِ والحِسْبَانِ وإِرْتَكبَ جَرِيمَةً كُبْرَى بِحَقِّهِم وحَقِّ الإِنْسَانِيَّةِ فَعَطَسَ وكسَرَ بِذَلِكَ "قَوَاعِدَ اللُّعْبَةِ والإِشْتِبَاكِ،" وشَوَّهَ جَمَالَ السُّكُونِ، وحَلَّ فِي المَكانِ الإِرْتِبَاكُ، فَحَصَلَ عَلى رَكْلَةٍ عَلى مُؤَخَّرَتِهِ "جِلاَّق عِرَاقِي أَصْلِي" مِنْ صَدِيقِهِ الواقِفِ "فِي صُفُوفِ المُشَاهِدِينَ والمُتَفَرِّجِينَ،" وهَذِهِ كانَتْ "يَرْحَمُكُم اللهُ بَعْدَ العَطْسِ" عَلى طَرِيقَةِ طُلاَّبِ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ. وبَقِيَ الطَّالِبُ "المَضْرُوبُ عَلى مُؤَخَّرَتِهِ والإِبْنُ الضَّالُّ والمَغْضُوبُ عَلَيْهِ" يَمْشِيَ مِشْيَةَ الأَعْرَجِ كالبَطَّةِ العَرْجَاءِ كَأَنَّهُ يَرْقُصُ "الجُوبِي" فِي الشَّارِعِ لِأُسْبُوعَيْنِ! إيهٍ ثُمَّ إِيهٍ... هُوَ الحُبُّ والعِشْقُ والوَلَهُ... وقَالَهَا عَبد الله الرُّويشد... هِيَ دُنْيَا الوَلَه
مَلِكاتُ الجَّمَالِ "الطَّبِيعِيِّ" والأُنُوثَةُ والدَّلالُ جَمِيلاتٌ رَقِيقَاتٌ كالحُورِ، والمَلِكةُ الحَسْناءُ رينِيه دنكور، عِرَاقِيَّةٌ يَهُودِيَّةٌ بِدَلالٍ وأُنُوثَةٍ بَغْدَادِيَّةٍ وعُيُونٍ مَلائِكِيَّةٍ ونَسَائِمٍ صِينِيَّةٍ وأَخْلاقٍ رَاقِيَةٍ، وهكذَا، وُلِدَتْ مَلِكةٌ لِتَكُونَ مَلِكةً وكانَتْ مَلِكةٌ وهِيَ بِجَمَالِهَا وأُصُولِهَا مَلِكةٌ
والأَدْيَانُ والدِّيَانَاتُ والطَّوَائِفُ هِيَ طيُوُرٌ جَمِيلَةٌ لَهَا أَلوَانُهَا وأَشْكالُهَا وكُلٌّ يَرْقُصُ فِي السَّمَاءِ كمَا يُحِبُّ ويَشَاءُ. ومَهْمَا تَنَوَّعَتْ ورَاقَتْ فِي أَلْوَانِهَا وأَصْوَاتِهَا وأَنْغَامِهَا ورَقْصِهَا فَهِيَ تُغرِّدُ مَعَاً أُغرُودَةً "واحِدَةً مُوَحَّدَةً" عُنْوَانُهَا -- آمِين! وطَائِرُ الإِيمَانِ والدِّينِ يُغَرِّدُ صَبَاحَاً ويَطِيرُ حُرَّاً بِرِيشِهِ الوَفِيرِ، لَكِنَّهُ قَدْ يَقَعُ ويُكْسَرُ جَنَاحُهُ وقَلْبُهُ إِنْ أُطْلِقَتْ عَلَيْهِ رَصَاصَةُ السِّيَاسَةِ مِنْ طَائِفِيٍّ حَقِيرٍ، وهِيَ لَيْسَتْ رَصَاصَةُ رَحْمَةٍ بَلْ رَصَاصَةُ غَدْرٍ وجَهْلٍ ونِقْمَةٍ، فَيَمُوتُ ويَمُوتُ مَعَهُ الغِنَاءُ والرَّقْصُ والأَلْوَانُ والجَّمَالُ البَهِيرِ
والآشُوريَّةُ لَيْسَتْ دِينٌ أَو "دِيَانَةٌ" أَو إِيمَانٌ بَلْ هِيَ "قَومِيَّةٌ" تأريخيَّةٌ وُجُودِيَّةٌ أَصِيلَةٌ أَصْلِيَّةٌ كرِيمَةٌ وإِيمَانُهَا هُوَ المَسِيحِيَّةُ، ولا عِلاقَةَ لَهَا بالقَوْمِيَّةِ الكُرْدِيَّةِ الكرِيمَةِ. والأَصْلُ فِي الوُجُودِ والصِّلَةِ كانَ فِي التأرِيخِ وفُصُولِهِ فِي الحُرُوبِ والإِضْطِهَادِ والقَتْلِ والإِبَادَةِ الجَّمَاعِيَّةِ والهِجْرَةِ والتَّهْجِيرِ والنُّزُوحِ القَسْرِيِّ والعَذَابَاتِ التي تَعَرَّضَ لَهَا الجَّمِيعُ وخَاصَّةً المَسِيحِيُّونَ. وهكذَا، تَغَيَّرَتْ طَبِيعَةُ الزَّمَانِ والمَكانِ والإِنْسَانِ والسُّكَّانِ فِي عَصْرٍ وعُصُورٍ وعَقْدٍ وعُقُودٍ. فَطَبِيعَةُ العُرُوشِ والمَمَالِكِ فِي المَاضِي كانَتْ عَلى أَسَاسِ الغَالِبِ والمَغْلُوبِ والبَقَاءِ لِلأَقْوَى فِي مَرَاحِلٍ مَا، ولَيْسَ دَائِمَاً. مَثَلاً، قِيَامُ بَابِلَ وسُقُوطُهَا أَو قِيَامُ آشُورَ وسُقُوطُهَا، وأَمْثِلَةٌ أُخْرَى مَعْرُوفَةٌ ومَعْلُومَةٌ تأرِيخِيَّاً وجُغْرَافِيَّاً. وهكذَا، حَصَلَ إِخْتِلاطٌ وجِوَارٌ بَيْنَ فِئَاتٍ وأَقَلِيَّاتٍ فِي مَكانٍ وزَمَانٍ مَا بِسَبَبِ الهُرُوبِ والنُّزُوحِ والهِجْرَةِ والتَّهْجِيرِ. والإِخْتِلاطُ والعَيْشُ سَوِيَّةً هُنَا وفِي هذَا المَقَامِ لا يَعْنِيَ التَّمَاثُلَ والإِنْتِمَاءَ. فَإِنْ عَاشَ شَخْصَانِ، مَثَلاً، فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ لا يَعْنِي هذَا بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُمَا يَنْتَمِيَانِ لِعَائِلَةٍ واحِدَةٍ أَو عِرْقٍ واحِدٍ. وإِنْ عَاشَ الآشُورِيُّونَ مَعَ الكُرْدِ فِي مَنَاطِقٍ جُغْرَافِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بِحُكْمِ الجِّوَارِ والأَقْدَارِ، فِي مِثَالِنَا هذَا، فَهذَا لا يَعْنِيَ بِالضَّرُورَةِ الحَدِيثَ عَنِ القَوْمِيَّةِ ذَاتِهَا، إِنَّمَا هُوَ المُشَارَكَةُ فِي الأَرْضِ والمَصِيرِ والقَدَرِ والأَسْبَابِ ونَتَائِجِ الأُمُورِ وخَوَاتِيمِ الأَحْدَاثِ. والأَهَمُّ هُنَا، أَنَّهُم كُلُّهُم عِرَاقِيُّونَ، وهذَا هُوَ الوَطَنُ الوَاحِدُ ومَحَبَّةُ الإِنْسَانِ لِأَخِيهِ الإِنْسَانِ، وهُوَ مَآلُ الكَلامِ ومُفَادُ الأَمْرِ والمَضْمُون. وذُو الرَّأْيِ المُخَالِفِ مَنْ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ فالأَمْرُ حِينَذَاكَ لا عِلاقَةَ لَهُ بِالعِلْمِ والتَّفْسِيرِ والتأرِيخِ والأَحْدَاثِ أَو وِجْهَاتِ النَّظَرِ، وإِنَّمَا هُوَ العِنَادُ والتَّعَصُّبُ والجَّهْلُ بِالتأرِيخِ أَو قِصَرُ النَّظَرِ، أَو هِيَ عُقَدٌ شَخْصِيَّةٌ وهَوَى، ولَنْ يَكُونَ العِنَادُ هُنَا مُجَرَّدَ رُؤًى، وإِنَّمَا جَهْلٌ أَعْمَى
وعِندمَا أُقُولُ "أَصْلِيٌّ" أَو "أَصْلِيَّةٌ" – وهُنَا أَتَحَدَّثُ عَنِ الإِنْسَانِ أَو الطَّائِفَةِ أَو الأُصُولِ والأَصْلِ فِي الوُجُودِ -- فَعَلى القَارِئِ "وُضُوحَاً وأَوَّلاً وإِدْرَاكَاً" أَنْ يَعْرِفَ الفَرْقَ والفُرُوقَ بَيْنَ بَعْضِ المُصْطَلَحَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ والتأرِيخِيَّةِ والإِجْتِمَاعِيَّةِ والسِّيَاسِيَّةِ، كالفَرْقِ بَيْنَ الأَرْضِ والوُجُودِ والخَلِيقَةِ والحَضَارَةِ والوَطَنِ والدَّوْلَةِ والأُمَّةِ والبِلادِ بِكُلِّ مَعَالِمِهَا المَعْرُوفَةِ. فَالأَرْضُ، مَثَلاً، وُجِدَتْ قَبْلَ الإِنْسَانِ، والمَسَاحَةُ قَبْلَ الخَلْقِ، والإِنْسَانُ قَبْلَ طَبِيعَتِهِ، والطَّبِيعَةُ قَبْلَ الخَلِيقَةِ، والبَرْقُ ثُمَّ الرَّعْدُ، والمَكانُ قَبْلَ المَكِينِ. والأَرْضُ بِنَاسِهَا وخَلْقِهَا وحَضَارَتِهَا أَو حَضَارَاتِهَا "كمَا هُوَ الحَالُ فِي بِلادِي العِرَاقَ" وُجِدَتْ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ دَوْلَةً أَو بَلَداً ثُمَّ وَطَنَاً أَو أُمَّةً فِي إِطَارِ القَانُونِ والمُؤَسَّسَاتِ والعَدْلِ والأَمَانِ والرَّخَاءِ والإِزْدِهَارِ والمُسَاوَاةِ والإِحْتِرَامِ والسِّيَادَةِ، فَقَطْ، إِنْ أَرَادَ سَاكِنُوهَا أَو سُكَّانُهَا ذَلِكَ، أَو مَا أَرَادُو، إِنْ كانَ شَيْئَاً آخَرَ لا عِلاقَةَ لَهُ بِتَعْرِيفِ البِلادِ والدُّوَلِ
والإِنْسَانُ قَدْ يُخْلَقُ أَو يُولَدُ أَو يُوجَدُ فِي أَرْضِهِ وتُرْبَتِهِ ويُدْعَى "إِنْسَانٌ" فِي خَلْقِهِ وخَلِيقَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى "سُومَرِيٌّ" أَو "بَابِلِيٌّ" أَو "كِلْدَانِيٌّ" أَو "آشُورِيٌّ" أَو "كُرْدِيٌّ" أَو مِنْ حَضَارَةٍ أَو مُجْتَمَعَاتٍ أُخْرَى بِحُكْمِ الدَّوْلَةِ والحُكْمِ والحَاكِمِ والغَالِبِ والمَغْلُوبِ فِي السِّيَاسَةِ أَو الدِّينِ أَو الإِيمَانِ أَو عَادَاتِ البَشَرِ أَو تَقَالِيدِ النَّاسِ
وهُنَا، وفِي هذَا المَقَامِ والمَقَالِ ثَمَّةَ رِحْلَةٌ ومَحَطَّةٌ تَشْغَلُنِي خاصَّةً وأَنَّ الكثِيرَ مِنَ النَّاسِ، ومِنْهُم العُلَمَاءِ، لا زَالَ يَجْهَلُ "جَهْلاً أَو عَمْداً عَلى عَيْنٍ" الفَرْقَ بَيْنَ الدِّينِ والإِيمَانِ. وهُنَا أَقُولُ، وهَذَهِ وِجْهَةُ نَظَرِي ومَا أَعْتَقِدُهُ فِي هذَا الأَمْرِ: وأَمَّا المَسِيحيَّةُ، وهِيَ إِيمَانُ القَوْمِيَّةِ الآشُورِيَّةِ، فَهِيَ "إيمَانٌ" وعِلاقَةُ حُبٍّ ومَحَبَّةٍ بَيْنَ الرَبِّ والخَلِيقَةِ السَّمَاوِيَّةِ وأَوْلادَهِ فِي الخَلِيقَةِ الإِنسَانيَّةِ الأَرْضِيَّةِ. وهِيَ لَيْسَتْ عِلاقَةٌ قَهْرِيَّةٌ بَلْ صَدَاقَةٌ أَبَوِيَّةٌ، وهذَا هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ "الدِّينِ" الذي بُنِيَ عَلى الخَوْفِ والنَّهْيِ والأَوَامِرِ كالإِسْلامِ واليَهُودِيَّةِ، وبَيْنَ "الإِيمَانِ" الذي أَسَاسُهُ الحُرِّيَّةُ والكرَامَةُ الإِنْسَانِيَّةُ فِي العِبَادَةِ والإِخْتِيَارِ كالمَسِيحِيَّةِ. لِهذَا فَالمَسِيحِيَّةُ لَيْسَتْ دِيَانَةٌ بَلْ إِيمَانٌ حُرٌّ وأُسْلُوبُ حَيَاةٍ -- والحُبُّ والمَحَبَّةُ هِيَ إِطَارُ تِلْكَ الحُرِّيَّةِ. فِي الدِّينِ، مَثَلاً، إِنْ صَلَّيْتَ أَحَبَّكَ اللهُ ورَضِيَ عَنْكَ، وإِنْ لَم تُصَلِّ كُنْتَ فِي دَائِرَةِ الغَضَبِ، ورُبَّمَا، كانَ لَكَ مَقْعَدٌ فِي الجَّحِيمِ!! لكِنَّ الإِيمَانَ شَيءٌ آخَر، فَأَنْتَ إِنْ صَلَّيْتَ أَم لَمْ تُصَلِّ أَحَبَّكَ الرَّبُّ وإِنْ كُنْتَ غَيْرُ صَالِحٍ طَوَالَ الوَقْتِ - كمَا أَحَبَّ اللهُ دَاوُدَ رَغْمَ الخَطِيئَةِ وأَحَبَّ إِبْنَهُ سُلَيْمَانَ رَغْمَ الأَخْطَاءِ والخَطَايَا المَعْرُوفَةِ - لأَنَّكَ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ إِنْسَانٌ ضَعِيفٌ مِنْ تُرَابٍ ومَاءٍ، وأَيْضَاً، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ "فِي الإِيمَانِ" أَبَدِيَّةٌ ونِعْمَةٌ "غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ" أَسَاسُهَا النَّقَاءُ. فَهُوَ الخَالِقُ وأَنْتَ المَخْلُوقُ، وهُوَ الصَّانِعُ البَّارُّ وأَنْتَ الفَخَّارُ، وهذَا مَا يُسَمَّى بالمَحَبَّةِ الأَبَوِيَّةِ أَو المَجَّانِيَّةِ "الأَكَابَا أَو الأَغَابَا" وهُوَ جَوْهَرُ الفَرْقِ بَيْنَ الدِّينِ وهُوَ السِّجْنُ الكبِيرُ الذي يَعْتَمِدُ عَلى "النُّصُوصِ" والتَّهْدِيدِ والوَعِيدِ ومَا كُتِبَ وكانَ، وبَيْنَ الإِيمَانِ وهُوَ "الحُرِّيَّةُ" فِي التَّفْسِيرِ والتَّفْكِيرِ والرُّجُوعِ إِلى ضَمِيرِ الإِنْسَانِ وتَغَيُّرِ الأَجْيَالِ والأَحْدَاثِ -- ولا يَتَوَفَّرُ الخِيَارُ المُطْلَقُ فِي الدِّينِ الذي بُنِيَ عَلى أَسَاسِ الخَوْفِ مِنَ النَّفْسِ والنَصِّ المَكْتُوبِ -- وقَدْ يَصِلُ الأَمْرُ إِلى الأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ والعُزْلَةِ والحِقْدِ عَلى المُخْتَلِفِينَ والمُخَالِفِينَ والمُجْتَمَعَاتِ الأُخْرَى، أَو الخَوْفِ مِنَ الدِّينِ والرَّبِّ بَدَلَ حُبِّهِ ومَحَبَّتِهِ واللُّجُوءِ إِلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَحْسُوبٍ
وكيْ أَكونَ مُنصِفَاً مَعَ نَفْسِي وقَلَمِي فَعَلَيَّ أَنْ أَقُولَ بَأنَّ الشّيعَةَ وَحْدَهُم لَيْسُو فِي دائِرَةِ الجَّهْلِ والنِّفَاقِ، بَلْ أَيُّ إِنسَانٍ مُتَعَصِّبٍ لِدينِهِ أَو مَذهَبِهِ أَو مِلَّتِهِ أَو مُجتَمَعِهِ أَو خِيارَاتِهِ فِي الحَيَاةِ، فَيَكُونَ بِهَذا فَريسَةً لآفَةِ الجَّهْلِ والدُّخولِ فِي نَفَقِ الظُّلُمَاتِ مَهْمَا كانَ دينُهُ أَو مَذهَبُهُ أَو إِيمانُهُ أَو حَتّى قَوْمِيَّتُهُ سَواءٌ كانَ مَسيحيَّ الإِيمانِ أَو يَهودِيَّ الدِّينِ أَو مُسْلِمَ العَقيدَةِ أَو قَوْمِيَّ الكُرْدِيَّةِ أَو مِن أَيِّ دِيانَةٍ سَماوِيَّةٍ أو أَرْضِيَّةٍ أُخْرَى
مِثالٌ عَلى ذَلِكَ هُمَا الإِيمَانُ والإِرْهابُ، فَالمُسْلِمُ السُّنِيُّ أَو الشِّيعِيُّ قد يَتَحَوَّلُ إِلى قاتِلٍ وإِرهابِيٍّ إِذَا إِبْتَعَدَ عَنْ الإِعْتِدالِ والوَسَطيّةِ وفَتَحَ بَابَ عَقْلِهِ وقَلْبِهِ للجَّهْلِ وتَشْوِيهِ المَاضِي الذِي كُتِبَ بأَيَادٍ مَريضَةٍ، كالجَّمَاعَاتِ والتّنْظيمَاتِ المُسَلَّحَةِ والقاعِدةِ وداعِشَ وحَمَاسٍ والإِخْوانِ والحَرَسِ الثَّوْرِيِّ والحُشُودِ والمِيلشياتِ الشِّيعيَّةِ وغَيْرِها. وشَهِدْنا مَاذا فَعَلَ الجَّهْلُ والإِرْهَابُ بالعِرَاقِ وسُوريَةِ مِنْ قَتْلٍ ودَمَارٍ بَعْدَ أَنْ أَعْطاهُم العَمِيلُ الإِيرانِيُّ المَالِكِيّ -- مَعَ عَمِيلِ طَهْرَانَ وطِفْلِهَا المُدَلَّلِ بَشَّار الأَسَدِ "مَعَ الإِعْتِذَارِ للأَسَدِ كحَيَوَانٍ شُجَاعٍ ومَلِكٍ مُتَوَّجٍ فِي غَابَاتِهِ هُنَا وهُنَاكَ" -- مِفْتاحَ عَرُوسِ العِرَاقِ المُوصِلِ ومُدُنٍ سُوريَةٍ أُخْرَى كيْ تَصْدُرَ الفَتَاوَى هُنَا وهُنَاكَ فَتَتَوَغَّلُ أَقْدَامُ إِيرَانَ بِأَوْسَاخِهَا وحُشُودِهَا فِي أَرْضِ العَرَبِ أَكْثَرَ وأَكْثَرَ، ثُمَّ تُؤَسَّسُ المِيلشياتُ بِحِجَّةِ التَّحْريرِ فِي لُعْبَةٍ لا يَقْدِرَ عَلى التَّخْطِيطِ لَهَا وتَنْفيذِها إِلاّ الشَّيْطانُ، وهُوَ سَاكِنٌ فِي طَهْرَانَ
لكِنْ لِمَاذَا وَقَعَتْ المُوصلُ، مَثَلاً، وهِيَ أَرْضُ الجَّمَالِ والسَّلامِ والحَدْبَاءِ والكنَائِسِ والمَسَاجِدِ، فِي فَخِّ الإِرْهَابِ القَادِمِ مِنْ مَجُوسِ إِيرَانَ ومَلالِي طَهْرَانَ؟! لِأَنَّ النَّاسَ مُنْهَكونَ والأَرْوَاحَ مُنْهَكةٌ والأَنْفُسَ مُنْهَكةٌ والأَرْضَ بَعْدَ إِنْهِيَارِ 2003 ومَا تَلاهَا ويَلِيهَا مُنْهَكةٌ. والفيروسُ لا يُهاجِمُ إِلاّ البَدَنَ الضَّعِيفَ، والجَّهْلُ لا يُهاجِمُ إِلاّ الإِنْسَانَ الضَّعيفَ، والإِرْهَابُ لا يُهاجِمُ إِلاّ المُجْتَمَعَ الضَّعيفَ. لكِنْ لِماذا قبِلَ "البَعْضُ والقَلِيلُ" مِنَ مُسْلِمِي المُوصلِ "ولا أَقُولُ أَهْلُهَا" حُكمَ داعِش؟ أَلَم يَعلمُوا أَنَّ التّنظِيمَ الإِرْابِيَّ سَوفَ يَحكُمُ بِسُلطةِ المَذهَبِ الواحِدِ والدِّينِ الأَعْمَى وفَتاوَى الجَّهْلِ والقَتْلِ والخَوْفِ والفَزَعِ؟ أَلَم يَعلمُوا، الذِين عاشُو حَياةً هادِئةً لأَزمَانٍ وعُرِفَ عَنهُم جَمَالُ التّعَايشِ مَعَ الطَّوائِفِ والأَدْيَانِ، بأَنَّ الإِرْهَابَ الدِّينِيَّ والإِسْلامَ السِّيَاسِيَّ سَوفَ يُمِيتا تِلكَ الأَيَّامَ وذَاكَ الجَّمَالَ؟! نَعَم، عَلِمَ "بَعْضُ" مَنْ قَبِلَ مِنَ الموصليِّينَ كُلَّ هذَا وذَاكَ، لكِنَّهُم "وهُم المُنْهَكونَ مِنْ حُكْمِ شِيعَةِ الجَّهْلِ والقَتْلِ والفِتَنِ الطَّائِفِيَّةِ مِنْ عُمَلاءِ إِيرَانَ فِي بَغْدَادَ" قارَنو بَيْنَ وَحْشيَّةِ داعِش وبَيْنَ طَائِفيَّةِ بَغْدَادَ وأَحْقَادِ المَالِكِيِّ وأَمْرَاضَهِ النَّفْسِيَّةِ والعَقْلِيَّةِ والطَّائِفِيَّةِ -- حِينَ كانَ "البَعْضُ" مِنَ الإخْوَةِ الشِّيعَةِ يُهِينُ "البَعْضَ" مِنْ إِخوَتِهِم المُوصلييّن فِي المَفارِزِ الأَمنيَّةِ والطُّرُقَاتِ "بِأَوَامِرٍ مِنَ المَالِكِيِّ" مُتَعَمِّدينَ الإِسَاءَةَ إِليهِم بِشَكْلٍ يَسْحَقُ كرَامَةَ الصِّغَارِ والكِبَار فِي بَرْدِ الشِّتَاءِ وحَرِّ الصَّيْفِ فِي اللَيْلِ والنَّهَارِ، فَقَطْ، لأَنَّهُم مُختلِفون، رَغْمَ أَنَّ الإِخْتِلافَ نِعْمَةٌ مِنَ الرَّبِّ
كانَ "البَعْضُ" مِنْ مُسْلِمِي المُوصلِ المُنْهَكِينَ إِذَاً بَيْنَ أَمْرَيْن، إِمَّا قَسْوةِ داعِش فِي مُجْتَمَعٍ قاسٍ مُخِيفٍ مُغْلَّقٍ ومُغْلَقٍ مَعَ حِفْظِ الذَّاتِ والشَّيءِ اليَسِيرِ والبَسِيطِ مِنْ الكرَامةِ اليَوْمِيَّةِ، وإِمَّا حُكمِ "بَغْدَادَ الإِيرَانِيَّةِ" فِي مُجْتَمَعٍ تَشوبُهُ الإِهَانَاتُ الطَّائِفِيَّةُ وسَحْقُ الكرَامَةِ الإِنسَانيَّةِ والهُوِيَّةِ العِرَاقِيَّةِ أَو مَا تبَقَّى مِنْهَا بَعْدَ إِنْهِيَارِ 2003 الذِي سَحَقَ كرَامَةَ الجَّمِيعِ – تَحْلِيلٌ وتَحْلِيلاتٌ وأَسْرَارٌ وإِجَابَاتٌ وعِبَرٌ وبِدَايَاتٌ ونِهَايَاتٌ ودَرْسٌ ودُرُوسٌ لِلأُمَمِ والمُجْتَمَعَاتِ والحُكومَاتِ
ورَغْمَ تَحْرِيرِ المُوصلِ مِنَ الإِرْهَابِ المَالِكِيِّ-الإِيرَانِيِّ-الدَّاعِشِيِّ، لَكِنَّ التَّحْريرَ شَيءٌ وأَمَّا النَّصْرَ فَهُوَ شَيءٌ آخَر، فَتَحْرِيرُ المَكانِ وَشِيكٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ وزَمَانٍ، لكِنَّ النَّصْرَ "فَقَطْ" عِندمَا يُدرِكُ العِرَاقِيُّونَ أَنَّ المُوصلَ "كمَا كُلَّ مُحَافَظَاتِ العِرَاقِ" هِيَ حَقٌّ وحَقِيقَةٌ لِكُلِّ أَهْلِ العِرَاقِ مَهْمَا كانُو وكانَتْ أُصُولُهُم وأَلْوَانُهُم، وهِيَ جَمَالٌ فِي جَمَالٍ
مِنْ ناحِيَةٍ أُخْرى، نَرَى كيْفَ تَحَوّلَتْ السّعوديّةُ، مَثَلاً، مِن سِجْنٍ كبيرٍ ودَوْلَةٍ مُخيفَةٍ ومَصْنَعٍ لِلإِرْهابِيِّينَ والمُتَطَرِّفِينَ والمُتَخَلِّفِينَ عَقْلِيَّاً ودِينِيَّاً وثَقَافِيَّاً -- يَحْكُمُها "فِي أَيَّامِهِم" النِّفَاقُ والخَوْفُ وجُهَلاءُ الأَمْرِ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكرِ "حَسَبَ إِعْتِقادِهِم وجَهْلِهِم" -- إِلى دَولَةٍ جَميلَةٍ ومُتَطَوِّرَةٍ ومَحْبُوبَةٍ "فِي أيَّامِنَا" بِمُجَرَّدِ تَخَلِّيها عَنِ الوَهابيّةِ المَرِيضّةِ والتَعَصُّبِ والإِنْغِلاقِ الإِجْتِمَاعِيِّ والثَّقَافِيِّ وجَهْلِ العُقولِ. وهَكذَا، الدِّينُ والمَذْهَبُ والعُنْصُريَّةُ أَو القَومِيَّةُ يُمْكِنُ أَن تَكونَ سُمُومَاً قاتِلَةً للمُجْتَمَعاتِ إِنْ حَلَّ الجَّهْلُ فِيهَا، وهُوَ السُّمُّ القاتِلُ. وهذا فَصْلٌ مِنَ المُفِيدِ والمَنْطِقِ فيهِ أَنْ أتَحَدّثَ بِكلِمَاتٍ مُوجَزَاتٍ عَنْ مَأسَاةِ ومَآسِ "الفَرْهُود،" والتِي حَدَثَتْ فِي العِرَاقِ فِي سَنَةِ 1941 بَعْدَ فَشَلِ المُحاوَلَةِ الإِنْقِلابيّةِ التِي قامَ بِها رَشيد عالِي الكيْلاني وعَساكِرٌ آخَرونَ لِتَشْوِيهِ العِرَاقِ والقَضَاءِ عَلى مُجْتَمَعَاتِهِ بِأَلْوَانِهَا وجَمَالِهَا والإِطاحَةِ بالمَلَكيَّةِ الدّستوريَّةِ بِإسْنَادٍ وأَمْرٍ "خَاصٍّ" مِن هِتْلَرَ والرَّايخِ الثَّالِثِ
نَحْنُ فِي سِتّينيّاتِ الإِنْقِلاباتِ والعُبُورِ -- نِفَاقُ السَّاسَةِ والعَساكِرِ والمُطْرِبينَ والمُغَنّينَ والبُورِ مِنَ النَّاسِ والقُلُوبِ البُورِ. نِفَاقُ نَاظم الغَزالِي الذِي غَنَّى للمَلِكِ الحَبِيبِ فَيصَل الثَّانِي ونَادَاهُ بالنُّورِ - ولَمْ يُجْبِرْهُ أَحَدٌ عَلى الغِنَاءِ بَلْ هُوَ النِّفَاقُ العَرَبِيُّ والرَّغْبَةُ فِي التَّقَرُّبِ مِنْ ذَوِي الأَمْرِ. ثُمَّ غَنّى بَعِدَ ذلِكَ لِلقاتِلِ والخَائِنِ وأَمِيرِ الرُّعَاعِ عَبد الكرِيم قَاسِم وقَالَ لَهُ تِسْلَمْ يَا عَبد الكرِيم... لِلشَّعْبِ تِسْلَمْ... لَيْلُ المَظَالِمِ وَلَّى... ونَادَاهُ وهُوَ قَاتِلُ المَلِكِ "النُّورِ" بِقَاهِرِ الظَّلامِ وبَانِيَ العُصُورِ - ولَمْ يُجْبِرْهُ أَحَدٌ عَلى الغِنَاءِ بَلْ هُوَ النِّفَاقُ العَرَبِيُّ والرَّغْبَةُ فِي التَّقَرُّبِ مِنْ ذَوِي الأَمْرِ! ومَاتَ ولَحِقَ بِزَعِيمِهِ الخَائِنِ لِبَلَدِهِ وقَسَمِهِ وشَرَفِهِ العَسْكَرِيِّ فِي السَّنَةِ ذَاتِهَا -- بَعْدَهَا بِأَشْهُرٍ مَعْدُودَةٍ. هُوَ النِّفَاقُ يَا سَادَة ومَا فِيهِ مِنْ أَقْدَارٍ تُرَتِّبُهَا الأَقْدَارُ بِأَيَّامِهَا. وأَمَّا نِفَاقُ "بَعْضِ" الفَنَّانِينَ وخَاصَّةً المُغَنِّينَ فَقَدْ إِسْتَمَرَّ لِسِنِينَ وكانَ سِمَةً لَهُم إِلى زَمَانِ صَدَّام حسين الذي نَافَسَ عَبد الكرِيم قَاسِم فِي "العُبُودِيَّةِ والتَّمْجِيدِ" وكانَ لَهُ القِسْمُ الأَكْبَرُ مِن النِّفَاقِ والتَّقَرُّبِ مِنَ الحُكْمِ والحَاكِمِ وذَوِي الأَمْرِ والسُّلْطَانِ
نَعَم، لا إنْكارَ فِي أَنَّ نِسَاءَ العَرَبِ هُنَّ الأَجْمَلُ بَيْنَ النِّسَاءِ، لكِنَّ جَمَالَ الثَّقَافَةِ والأُنُوثَةِ والهُدُوءِ ونَقَاءِ القَلْبِ هُوَ الأَبْقَى. وعِندمَا كُنَّا أطْفَالاً وصِغَاراً كُنَّا نَرَى ثَقَافَةَ المُذِيعينَ وجَمَالَ وثَقَافَةَ المُذِيعَاتِ "وكانُو حَقَّاً إِعْلامِيِّينَ وإِعْلامِيَّاتٍ" ونَسْألُ عَنْ أَسْرارِهَا، فَكانَتْ الإِجَابَةُ سَريعَةً وبَسِيطَةً وهِيَ المَوْهِبَةُ والتَّدْرِيبُ. إِذَنْ، فالمَوْهِبَةُ دُونَ تَدْريبٍ لا بُنْيَانَ لَهَا، والتَّدْريبُ دُونَ مَوْهِبَةٍ لا أَسَاسَ لَهُ. ورُبَّمَا غَابَتْ المَوْهِبَةُ فِي أَيَّامِنَا وغَابَ مَعَهَا التَّدْريبُ أَيْضَاً. واللُغَةُ العَرَبيَّةُ جَمِيلَةٌ وسَاحِرَةٌ ولا تَسْتَحِقُّ العَبَثَ والجَّهْلَ الذِي نَرَاهُ اليَوْمَ فِي الفَضَائِيَّاتِ وعَلى الشَّاشَاتِ، ولَيْسَ العَيْبُ أنْ يُدَرَّبَ المُذِيعُونَ بَيْنَ الحِينِ والحِينِ، بَلْ العَيْبُ أَنْ تَسْتَمِرَّ أَخْطَاءُ المُذِيعِينَ العَرَبِ... فِي بِلادِ العَرَبِ
هُوَ التأريخُ وهِيَ المَلالي والأحْقادُ، والتأريخُ بِكُلِّ سَوَادِهِ قَدْ عَادَ. لكِنَّ المَلالِيَ كالشَّيْطَانِ، وتَدْميرُ الجَّمَالِ والآمالِ لا يَكفِي، ولا يَكفِي غَسْلُ العُقُولِ وغَسِيلُهَا، ومَلاليَ الجَّهْلِ لَديهِم دُسْتُورٌ، ودُسْتُورُ الشَّرِّ يَقولُ: كُلُّ العَرَبِ إِيرانِيّونَ، وفِي أُصُولِهِم فارِسيُّونَ، وأَحْفادُ عُمَرَ ويَزيدَ والحَجَّاجِ جُناةٌ، والمَسيحيُّونَ رُعَاةٌ، واليَهودُ لا يَسْتَحِقّونَ الحَيَاةَ، ولا فَرْقَ بَيْنَ مُوسَى وهارُونَ وصُهْيونَ، لا فَرْقَ بَيْنَ الدِّينِ والسِّياسَةِ، ويَجِبُ إِحْراقُ الشَّرْقِ وبِلادِ الضَّادِ، بالصِّراعاتِ والقَتْلِ والفَقْرِ والبُؤْسِ وأَوْهَامِ الجِهَادِ، نَحْنُ الإِيرانيُّونَ، يَقوُلون، لَديْنا آيَاتُ اللهِ والعَرْشِ والجَّحِيمِ والنَّارِ، لَدَيْنَا مِفْتَاحُ الجَنّةِ وأسْرَارُ المَوْتِ والحَيَاةِ والنِّسَاءِ والحُوُرِ، وفِي ذلِكَ لا حِوَارَ... هُوَ التأريخُ الفارِسِيُّ وكُتُبُ المَدارِسِ وتَعْليمُ الأَطْفالِ، هُوَذا الدُّسْتُورُ، والعَلْمانيّونَ الحَياةَ لا يَستَحِقّونَ، والنَّجَفُ وكربَلاءُ والأَرْضُ لِإيرَانَ وبِلادِ فارِسَ ومَلاليَ اللياليَ والسَّمَرِ، والخُمَيْنِي خَلِيفَةُ اللهِ مِنَ البَرِّ إِلى البَحْرِ، ولَعْنَةُ "آيَةِ اللهِ" عَلى أتْبَاعِ عُثْمانَ وعَمَرَ، والمَسيحِيّونَ والسّنةُ مِنَ الحُكّامِ خَطٌّ أحْمَرٌ
وقالَهَا الإِيرانِيُّونَ والعُمَلاءُ والجُّهَلاءُ: إِمَّا أَنْ نَحْكُمَ أَرْضَ العَرَبِ وعَلِيٍّ والحُسَيْن، أَو نُسْقِطَ نِظامَ صَدّام حسين! وكتَبوُ رِسالَةً بِهَذا وإِلى صَدّام سُلِّمَ الخِطَابُ، وصَدّام قَويٌّ يَعْشَقُ العِرَاقَ والكرَامَةَ والتُّرَابَ، ومَعَهُ لا يجِبُ أَنْ تَتَحَدّى أَو تَعْبَثَ أَو تَلْعَبْ. وبَدَأتْ الحَرْبُ، وهكذَا، تَوَقَّفَ قِطارُ السَّبعينيّاتِ وجَمَالِهَا وأَيَّامِهَا الوَرْدِيّةِ، وخُتِمَتْ فُصُولُ الكِتَابِ الذَهبيّةِ
والخُمَيْنِي يُفْتِي ويَقْتُلُ بإِسْمِ اللهِ والإِمَامِ والآيَاتِ والرَّبِّ، وحافِظُ الأسَد يُرسِلُ الصَّواريخَ إِلى إِيرَانَ لِتُطْلَقَ عَلى رُءُوسِ العِراقِيّينَ والعَرَبِ -- وهُوَ كارِهٌ لِنَفِسِهِ والعَرَبِ! ومِثْلُهُ فَعَلَ القَذَّافِي "فِي أَزْمَانٍ مَا" بإِسمِ القُدْسِ والعُرُوبَةِ والعَرَبِ -- والقَذّافِي أَحَبَّ الإِيرانِيّينَ وأَعْطاهُم المَلايِينَ لِقَتْلِ صَدّامَ بِأَيادٍ إِيرَانيَّةٍ، وأَمَّا بَعْدَ غَزوِ العِرَاقِ فِي سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا حاوَلَ إِنْقاذَ صَدّامَ وبَكى عَلَيْهِ بَعْدَ إعْدامِهِ بِحِبَالٍ إِيرانيَّةٍ! هِيَ العُقُولُ ومَا فِيهَا مِنْ حَمَاقَةٍ وبَلاءٍ
وأَمَّا العِرَاقِيُّونَ مِنْ عَرَبٍ وكُرْدٍ وآشُورِيِّينَ وغَيْرِهِم "وهُنا أتَحَدَّثُ عَنِ القَوْميَّاتِ" أَو يَهُودٍ ومَسِيحِيِّينَ ومُسْلِمينَ وغَيْرِهِم "وهُنَا أتَحَدَّثُ عَنِ الإِيمَانِ والأَدْيانِ والدِّياناتِ" فَقَدْ كانُو يُحِبُّونَ بِلادَهُم العِرَاقَ ويَعْشَقُونَهُ قَبْلَ سَنَةِ 1958 وإنْقِلابِهِ المَشْؤُومِ. وبَقِيَ الحُبُّ فِي صُورَةٍ أُخْرَى ونِطَاقٍ آخَرَ وإِسْتَمَرَّ حَتّى فِي السِتينيَّاتِ والسَبْعينيَّاتِ إِلى عَامِ 1979 وإِنْتِهَاءِ العُصُورِ الذَهَبيَّةِ والفِضِّيَّةِ ومَعَهَا الخَيْرُ والرَّخَاءُ -- فِي مَقَامِ عِلْمِ النَّفْسِ والإِجْتِمَاعِ وسُلوكِ الشُّعُوبِ. وبَقِيَ شَيءٌ مِنَ الحُبِّ والوَلاءِ فِي الثّمانينيَّاتِ ثُمَّ تَلاشَى كسَرابٍ فِي التِسْعينيَّاتِ لِيَخْتَفِيَ فِي إِنْهِيَارِ سَنَةِ 2003 بِإِحْتِلالِ إِيرَانَ للعِرَاقِ بَعْدَ غَزْوِ البَيْتِ الأبْيَضِ للبِلادِ وقَتْلِ العِبَادِ. والأَسَاسُ فِي الإِنْهِيارِ وغِيابِ الإِعْمَارِ هُوَ عُمَلاءُ إِيرانَ الذينَ حَكمُو ويَحْكُمُونَ العِرَاقَ مِنَ الجُّهَّالِ والسُّرَّاقِ وهُمْ الأَشَدُّ حِقْدَاً عَلى العِرَاقِ والعِرَاقِيِّينَ، عَلى عَكْسِ مَا كانَ فِي أَلمانيَا بَعْدَ إِنْهِيَارِ عَامِ 1945 ومَا تَلاهَا كمِثالٍ تأرِيخِيٍّ لَعِبَتْ فِيهِ الأَقْدَارُ الدَّوْرَ والأَدْوَارَ كالجُّغرافيَا والأَخْلاقِ والتَّربِيَةِ والعِلْمِ والثّقافَةِ والأَصْلِ والأُصُولِ والجِّيلِ والأَجْيالِ وحُبِّ الأَوْطانِ والإِخْلاصِ لَهَا
وهُوَ أَشْبَهُ بِالوَزِيرِ اللُبْنَانِي جُبْرَان بَاسِيل الرَّاقِصِ عَلى الحِبَالِ السِّيَاسِيَّةِ. وشِعَارُهُمَا "مَن يَتَزَوَّجَ أُمِّي يَكُونَ عَمِّي... ويِدَلَّل!" وبَاسِيلُ هَذا يُذَكِّرُنِي بِأَبِي الثَّلاثِ وَرَقَاتٍ، وقَدْ نَعَتَهُ أَحَدُ وِزَرَاءِ أُوروبّا بَعْدَ لِقَاءِهِ بِقَرَقُوزِ حِزْبِ اللهِ والعِمَامَاتِ
وهِيَ وِلايَةُ الفَقِيهِ ومَا فِيهَا ومِنْهَا مِنْ خُبْثٍ وقَتْلٍ وجَهْلٍ ونِفَاقٍ وحِقْدٍ وبَيْعٍ وشِرَاءٍ للنُّفُوسِ وتَمَلُّقٍ للبَعيدِ وقَتْلٍ للقَريبِ وسَلامٍ باليَدِ اليُمْنَى وطَعْنٍ باليَدِ اليُسْرَى وإبْتِسَامَةٍ فِي النَّهَارِ وتَآمُرٍ فِي ظُلُمَاتِ الليْلِ
وياسِر عَرَفات أَو أَبو عَمّار، شَيْخُ المُنافِقينَ وسَارِقُ الذَّهَبِ والمَاسِ والرَّاقِصُ فِي كُلِّ الأعْراسِ، كمَا قالَ عَنهُ الرّئيسُ الرّاحِلُ صَدّام حسين فِي إِحْدى التَّسْجيلاتِ الخّاصَّةِ والمُطَوَّلَةِ، بأَنَّهُ، أَيْ صَدّام حسين، يَجلسُ مَعَ عَرَفات ويَبْتَسِمُ لَهُ ويُسَاعِدُهُ ويُسَانِدُهُ ويُوَطِّنُ أَتْباعَهُ فِي بَغْدادَ فِي شُقَقٍ وبُيُوتٍ ويَصْرُخُ مَعَهُ بِتَحْريرِ "قُدْسِهِ" لأَنَّها مَبادِئُ "الحِزْبِ والثَّوْرَةِ،" ويَلْتَهِبُ مَعَهُ السَّلامُ وتَلْتَهِبُ مَعَهُ الأَحْضَانُ، لكِنّهُ يُدْرِكُ فِي قَرَارَةِ نَفْسِهِ بأَنَّ عَرَفاتَ "أَوْسَخُ" مِنْ حافِظِ الأسدِ والخُمَيْنِيّ وأَنَّهُ يَبيعُ "قَضيّتَهُ" بِدينارٍ. وبِأَنَّهُ، أَيْ صَدّام حسين، عَلى عِلْمٍ ودِرايَةٍ أَيْنَ يَذهَبُ عَرَفاتُ "مُتَخَفّياً بِكُوفِيَّتِهِ"عِندمَا يُغادِرُ بَغدادَ بأَيَّامٍ! وكانَ هذَا تَسْجيلٌ وحَديثٌ مُطَوَّلٌ شَرِبَ فِيهِ صَدّامُ وسَكِرَ، وإِسْتَمَعَ إِلى الكثِيرِ مِنَ النُّكاتِ ال "+18" وكانَتْ ضَحِكاتُهُ تَطِيرُ فِي السَّماءِ، وكانَ يُسَمِّيَ الرُّؤَسَاءَ والقَادَةَ العَرَبَ بأَسْماءِ شَخْصِيّاتٍ كرْتُونيّةٍ
وأَمَّا عِرَاقِيَّاً، وبَعْدَ أَنْ يَثُورَ الشَّعْبُ عَلى "نَفْسِهِ أَوَّلاً" ويُغَيِّرَ مَا فِيهَا مِنْ نِفَاقٍ وشِقَاقٍ وحُبٍّ لِلفِتْنَةِ والطَّائِفِيَّةِ وسُلُوكِيَّاتٍ مُجْتَمَعِيَّةٍ وإِجْتِمَاعِيَّةٍ وخَاصَّةً "الشَّكْوَى" وهُوَ مَا عُرِفَ بِهِ طَوَالَ العُصُورِ والدُّهُورِ، يَبْدَأُ بَعْدَهَا فِي التَّخَلُّصِ مِنَ النِّفَايَاتِ السِّيَاسِيَّةِ والمُجْتَمَعِيَّةِ وبَقَايَا ومُخَلَّفَاتِ الإِحْتِلالِ الإِيرَانِيِّ بِكُلِّ آثَارِهِ وعَادَاتِهِ وخُرَافَاتِهِ وسَخَافَاتِهِ المُقَزِّزَةِ للعُقُولِ والأَبْدَانِ. والأَهَمُّ هُوَ طَرْدُ مُخَلَّفَاتِ إِيرَانَ مِنَ العُمَلاءِ والجُهَلاءِ والقَتَلَةِ والسُّرَّاقِ والفَاسِدِينَ سِيَاسِيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً وعِلْمِيَّاً الذِينَ يَحْكُمُونَ العِرَاقَ ودَوْلَتَهُ العَمِيقَةَ مُنْذُ إِنْهِيَارِ 2003 ومَا تَلاهَا ويَلِيهَا "وإِلى اليَوْم" لِإِتِّصَالِهِم اليَوْمِيِّ بِالمُخَابَرَاتِ الإِيرَانِيَّةِ وإِسْتِخْبَارَاتِهَا وتَلَقِّ الأَوَامِرِ والتَّعْلِيمَاتِ والوَصَايَا التَّخْرِيبيَّةِ للمُجْتَمَعِ والشَّبَابِ العِرَاقِيِّ -- وتَبَادُلِ التَّقَارِيرِ بِشَكْلٍ دَائِمٍ -- وهُم عُشَّاقٌ لِلجَاسُوسِيَّةِ مُنْذُ نُعومَةِ أَظْفارِهِم وصِبَاهُم. وهَذَا مَا عُرِفُو بِهِ "وكُتِبَ" فِي سِجِلاَّتِ المُخَابَرَاتِ الغَرْبِيَّةِ وقِيلَ فِي بَعْضِ الكوَالِيسِ العَرَبِيَّةِ والإِقْلِيمِيَّةِ
وإِنْ أَرَادَ الشَّعْبُ العِرَاقِيُّ أَو العَرَبِيُّ أَنْ يَعِيشَ حَيَاةً تُسَمَّى "حَيَاةٌ" ولَيْسَ شَيئَاً آخَرَ، فَعَلَيْهِ أَن يَثُورَ عَلى نَفِسِهِ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَثُورَ عَلى غَيْرِهِ. وعَلَيْهِ أَنْ يَتَّكِلَ عَلى نَفْسِهِ بَعْدَ الرَّبِّ، وأَنْ يُؤْمِنَ بِالتأرِيخِ ومَا كانَ فِيهِ مِنْ دُرُوسٍ وعِبَرٍ وأَهَمُّهَا "مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثلُ ظُفْرِكَ" فَالكُلُّ لَهُ مَا لَهُ مِنْ أَطْمَاعٍ ومَصَالِحٍ ولا يَنْفَعَ أَحَدٌ أَحَدَاً -- تَغَيَّرَ الزَّمَانُ وتَغَيَّرَ كُلُّ شَيءٍ
نَحْنُ نَعْلَمُ، أَو بالنِّسْبَةِ لِي، إِنَّ الإِجْرَامَ والجَّريمَةَ والغَدْرَ مَعَ الخَلْقِ والإنْسانِ قَدْ بَدَأَ وخُلِقَ. فأَولادُ آدَمَ كانَ فِيهِم الخَيْرُ والشَّرُّ، وكانَ فِيهِم الصَّالِحُ يَرْعَى الخِرَافَ وقَدَّمَ أَفْضَلَ خِرافِهِ قُرْباناً للرَّبِّ لأَنَّهُ أَحَبَّ الرَّبَّ وتَقَرَّبَ إِليْهِ بِقَلْبِهِ. وأَخٌ آخَرُ زَارِعٌ للأَرْضِ والحَرْثِ وكانَ فِيهِ الشَرُّ وأَحَبَّ نَفْسَهُ أَكْثَرَ مِنَ الرَّبِّ فَجَمَعَ الفاسِدَ مِنْ زَرْعِهِ وقَدَّمَهُ قُرْباناً للرَبِّ وتَقَرَّبَ إِليْهِ بِعَقْلِهِ لا بالقَلْبِ -- ونَسِيَ أَنَّ اللهَ رَبٌّ للقُلُوبِ قَبْلَ العُقُولِ. فَتَقَبَّلَ اللهُ قُرْبانَ الصَّالِحِ ورَفَضَ نِفاقَ الأَخِ الشِّرّيرِ. فَغَضِبَ الشِّرّيرُ وغارَ وكرِهَ أَخَاهُ وحَقَدَ عَلَيْهِ، والحِقْدُ مِنْ مَقَامَاتِ العاطِفَةِ وفُصُولِ شَرِّها. فَقَتَلَ الأَخُ الأَخَ والإِنْسَانُ الإِنْسَانَ وحَدَثَ هذَا فِي بِدايَاتِ الخَلْقِ والأَيَّامِ بِوُجودِ الرَّبِّ والخالِقِ وحُكْمِهِ...، فَكيْفَ بأَيَّامِنَا ولَمْ تَبْقَى إِلاّ الكِتاباتُ والكُتُبُ، والخالِقُ بَعِيدٌ وقَريبٌ؟! وهَلْ يَكُفُّ الشِّرِّيرُ عَنْ شَرِّهِ وقَتْلِهِ لِأَخيهِ دُونَ رَقيبٍ؟
وأَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالهُجُومِ عَلى مَدِينَةِ حَلَبجَة -- وهُوَ قَضَاءٌ مُرْتَبِطٌ إِدَارِيَّاً بِمُحَافَظَةِ السُّلَيْمَانِيَّةِ فِي شَمَالِ العِرَاقِ ويَقَعُ عَلى بُعْدِ حَوَالي 240 كم شَمَالِ شَرْقِ العَاصِمَةِ العِرَاقِيَّةِ بَغْدَادَ و 14 كم فَقَط مِنَ الحُدُودِ مَعَ إِيرَانَ عِنْدَ سَفْحِ مِنْطَقَةِ هُورامَان الجَبَلِيَّةِ عَلى الحُدُودِ الإِيرَانِيَّةِ العِرَاقِيَّةِ -- فَقَدْ كانَ هُجُومَاً عَسْكرِيَّاً بِالأَسْلِحَةِ الكِيميَائِيَّةِ ضِدَّ العِرَاقِيِّينَ الأَكْرَادِ فِي سَنَةِ 1988 إِذْ كانَتْ الأَيَّامُ الأَخِيرَةُ مِنْ حَرْبِ الثَّمَانِ سَنَوَاتٍ. وجَاءَ الهُجُومُ بَعْدَ 48 سَاعَةٍ فَقَطْ مِنْ سَيْطَرَةِ القُوَّاتِ الإِيرَانِيَّةِ عَلى المَدِينَةِ. وقَدْ خَلُصَ تَحْقِيقُ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ إِلى إِسْتِخْدَامِ غَازِ الخَرْدَلِ السَّامِّ فِي الهُجُومِ إِلى جَانِبِ مُهَيِّجَاتٍ عَصَبِيَّةٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ حِينَهَا. وأَمَّا التَّقْرِيرُ "الخَاصُّ" فَقَدْ أَثْبَتَ ضُلُوعَ القُوَّاتِ الإِيرَانِيَّةِ فِي الهُجُومِ عَلى القُرَى الكُرْدِيَّةِ وإِسْتِخْدَامِهَا لِغَازَاتٍ سَامَّةٍ كانَتْ قَيْدَ الإِخْتِبَارِ فِي المَصَانِعِ والمَعَامِلِ الإِيرَانِيَّةِ، وقَيْدَ الإِسْتِخْدَامِ فِي سَاحَاتِ المَعْرَكةِ شَمَالِ العِرَاقِ. ونُسَخٌ مِنَ التَّقَارِيرِ الخَاصَّةِ بِتَفَاصِيلِهَا السِّرِيَّةِ حُفِظَتْ فِي خَزَائِنِ بَعْضِ مُخَابَرَاتِ الدُّوَلِ الأُورُوبيَّةِ. وتَمَّ "إِعْلامِيَّاً" إِتِّهَامُ الجَّيْشِ العِرَاقِيِّ والرَّئِيسِ العِرَاقِيِّ الرَّاحِلِ صَدّام حسين وتَحْدِيدَاً إِبْنِ عَمِّهِ عَلِي حَسَن المَجِيدِ لِأَسْبَابٍ سِيَاسِيَّةٍ وظَرْفِيَّةٍ. فِيمَا تَمَّ غَضُّ الطَّرْفِ عَنِ إِتِّهَامِ إِيرَانَ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ لِأَسْبَابٍ سِيَاسِيَّةٍ وإِقْتِصَادِيَّةٍ، وأَيْضَاً ظَرْفِيَّةٍ، وبِأَمْرٍ مُبَاشِرٍ مِنَ البَيْتِ الأَبْيَضِ -- كمَا جَاءَ فِي التَّقْرِيرِ
هِيَ السَبعينيَّاتُ، يَا سَادَة، عَقْدُ النَّفطِ والثَّرَوَاتِ والتَّعْليمِ والبِنَاءِ، إذْ كانَ حُكّامُ العِرَاقِ والعَرَبِ مَعَ شُعوبِهِم عَلى حُكْمٍ وأُمورٍ مُتَّفِقينَ: إِفْعَلْ أَيُّهَا المُواطِنُ العِرَاقِيُّ والعَرَبِيُّ مَا تَشاءُ... أُرقُصْ، إِفْرَحْ، تَعَلَّمْ، إِرْفَعْ يَدَكَ بالدُّعَاءِ، أَو إِنْسَ الأَمْرَ ولا تَعْبُد أَو تَتَعَبَّد، كمَا تَشَاءُ، لا شَأنَ لَنَا بِكَ مِنَ الأَلِفِ إِلى اليَاءِ... سَافِرْ، غازِلْ وتَغَزَّلْ بالنِّسَاءِ، إِلبَسْ وإِرتَدِ مِنَ الثِّيابِ مَا تَشاءُ، وتَعَرَّى "سِرَّاً" كيْفَمَا تَشاءُ، هِيَ حَيَاتُكَ وهِيَ الحَياةُ ومَا تَشَاءُ. لكِنْ، إِيّاكَ ثُمَّ إِيّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ، أَنْ تُؤذِيَ الآخَرينَ أَو أَنْ تَتَحدّثَ فِي "السِّياسَةِ" أَو أُمُورِ الحُكمِ أَو سِيرَةِ الحُكَّامِ أَو القَادَةِ أَو الرِّفَاقِ والرُّفَقَاءِ، أَو أَنْ تَتَحَدَّى أَصْحَابَ النُّفُوذِ أَو "أَوْلادَهُم أَو بَنِيهِم لاحِقَاً" أَو أَنْ تَرْفُضَ تَمْجِيدَ الزُّعَمَاءِ. وإِلاّ صِرْتَ ضَحِيَّةً مِنْ ضَحَايَا "الحَوَادِثِ" أَو "أَبُو طُبَر" والسَّاطُورِ والسَّوَاطِيرِ والسَّكاكِينِ والأَكْفَانِ ومَاءِ الوَرْدِ والحِنَّاءِ، أَو، عَلى الأَقَلِّ، صِرْتَ واحِدَاً مِنَ السُّجَنَاءِ -- كمَا يَقولُ الآباءُ والأَجْدادُ: حَرَامِي لا تصِير، مِنْ شُرطِي "سُلطان" لا تَخَاف
وإِبَادَةُ الفُرْسِ لِعَرَبِ الأَهْوَازِ وإِحْتِلالِ أَرَاضِهِم الزِّرَاعِيَّةِ الغَنِيَّةِ بِخُصُوبَتِهَا ومَحَاصِيلِهَا ومَا فِيهَا مِنْ نِفْطٍ وغَازٍ ومَوَارِدٍ طَبِيعِيَّةٍ وثَرَواتٍ مَائِيَّةٍ لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى. إِذْ كانَ الأَهْوَازُ، يَا سَادَة، هذَا الإِقلِيمُ العَرَبِيُّ المُحَاذِي لِلعِرَاقِ والمُطِلُّ عَلى شَمَالِ الخَلِيجِ العَرَبِيِّ "ولَيْسَ الفَارِسِيِّ كمَا يُسَمِّيهِ مَلالِي إِيرَانَ وعُمَلاءُ طَهْرَانَ فِي العِرَاقِ وبِلادِ العَرَبِ" والمُمْتَدُّ حَتّى ضِفَّتِهِ الشَّرْقِيَّةِ، إِمَارَةً مُسْتَقِلَّةً فِي جَمَالِهَا وخَيْرَاتِهَا ومَا حَوْلَهَا. وكانَتْ تَحْتَ حُكْمِ الشَّيْخِ خَزْعَل بِن جَابِر الكعْبِي المُلَقَّبِ آنَذَاك بِأَمِير عربستان أَو أَمِيرِ المُحَمَّرَةِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ الشَّاهُ الأَبُ رِضَا بَهلوِي بِغَزْوِ الإِقلِيمِ عَسْكرِيَّاً فِي عَامِ 1925 وضَمِّهِ إِلى بِلادِ فَارِسَ دُونَ إِرَادَةِ شَعْبِهِ العَرَبِيِّ الأَصِيلِ -- وكانَ لِمَدِينَةِ المُحَمَّرَةِ فَصْلاً دَمَوِيَّاً مِنْ فُصُولِ الحَرْبِ الإِيرَانِيَّةِ-العِرَاقِيَّةِ أَو القَادِسِيَّةِ الثَّانِيَةِ، وهُوَ أَمْرٌ لا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ والإِشارَةِ إِلَيْهِ
وأَبْقَى لِثَوانٍ أُخْرَى فِي ألمانيا لِأُقارِنَ فِي الأَسْبابِ التِي أَدَّتْ "خِلالَ سَنَوَاتٍ فَقَط" إِلى بِنَاءِ وإِزْدِهارِ ألمانيا بَعْدَ دَمَارِهَا وتَدْمِيرِهَا كُليَّاً فِي سَنَةِ 1945 بَيْنَمَا غابَ الإِسْتِقْرارُ والرَّخاءُ عَنِ العِرَاقِ مُنذُ سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا ويَلِيهَا وإِلى يَوْمِنَا هَذا رَغْمَ مُرُورِ العُقُودِ! فَإِذا أَرَدْنَا أَنْ نُحَلِّلَ الأَسْبابَ والأَحْدَاثَ بِواقِعِيَّةٍ فِي مِيزَانِ العَقْلِ والقَلْبِ ومَا بَيْنَهُمَا، ونُجَرِّدَ القُلُوبَ مِنَ العاطِفَةِ ولَوْ لِبُرَهٍ وبُرْهَةٍ، والعُقُولَ مِنَ الجَّهْلِ لِدَقائِق ولَو مَعْدُودَاتٍ، فَعَلَيْنَا أَن نَبْحَثَ فِي سُلُوكِ الشُّعُوبِ وعِلْمِ الإِجْتِمَاعِ السِّيَاسِيِّ وفُصُولِهِ ونَبْقَى لِثَوانٍ فِي عِلْمِ النَّفْسِ السِياسِيِّ وأَسْرارِهِ -- وهُنَا لا أَتَحَدَّثُ عَنْ مُجْرَيَاتِ الأَحْدَاثِ ومَنْ حَكمَ العِرَاقَ مِنْ عُمَلاءِ إِيرَانَ وسُرَّاقِ المَالِ وجُهَلاءِ الزَّمَانِ وشِيعَةِ القَوْمِ مُنْذُ إِحْتِلالِ البِلادِ فِي 2003 وإِنْهيَارِ القِيَمِ والأَخْلاقِ السِّيَاسِيَّةِ، وهُم يَحْكُمُونَ إِلى يَوْمِنَا وكِتَابَةِ هذِهِ الكلِمَاتِ. فالأَلْمانُ، مَثَلاً، يُحِبُّونَ بِلادَهُم بِشِدَّةٍ وصِدْقٍ وعُرِفَ عَنْهُم ذلِكَ وهُوَ مِنْ سِمَاتِهِم ومَا يَفْتَخِرُونَ بِهِ مَعَ إِخْتِلافِ الجِّيلِ والأَجْيَالِ -- كمَا عُرِفَ عَن الكُورِيِّينَ، مَثَلاً، حُبُّهُم لِلتَّقَالِيدِ الجَّمِيلَةِ والأَصِيلَةِ، وهُوَ مَثَارُ إِعْجَابِ الشُّعُوبِ والأَفْرَادِ وأَنَا مِنْهُم. لِهذا نَهَضَ الشَّعْبُ الأَلْمَانِيُّ الحَزِينُ مِنَ النِّساءِ والشّابَّاتِ "ومَنْ تَبَقَّى مِنَ الرِّجَالِ والشَّبَابِ" مِنَ رُكامِ الحُزْنِ والصَّدْمَةِ والفَقْرِ والدَّمَارِ بَعْدَ الهَزيمَةِ فِي الحَرْبِ العالَميَّةِ الثّانيةِ وإِنْهيارِ أَوْهَامِ النّازِيَّةِ فِي سَنَةِ 1945 مَعَ إِنْهِيَارِ وَهْمِ العِرْقِ الذَّهَبِيِّ -- وبَنُو بِلادَهَم وعمَّرُوهَا إِذْ لَيْسَ لَهُم سِوَاهَا
وأَبْقَى لِزَمَانٍ فِي تأرِيخِ هِتْلَرَ لِأَضَعَ "مَا فِي رَأْسِهِ" تَحْتَ مِجْهَرِ الإِنْسَانِ والمُجْتَمَعَاتِ كيْ نَعْرِفَ "سِرَّ" كرَاهِيَتِهِ لِيَهُودِ أَلمانيَا وأُوروبّا رَغْمَ مَا عُرِفُو بِهِ مِنْ رُقِيٍّ وعِلْمٍ وإِبْدَاعٍ وهُدُوءٍ وسَلامٍ وإِحْتِرَامٍ لِلقَانُونِ والمُجْتَمَعِ، وكانُو العَمُودَ الفَقَرِيَّ لِإِقْتِصَادِ أَلمانيَا وأُورُوبّا والكثِيرِ مِنْ بِلادِ الأَرْضِ. إِضَافَةً إِلى قِتَالِ ومَقْتَلِ الآلافِ مِنْهُم مِنْ أَجْلِ أَلمانيَا فِي الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ الأُولَى ومِنْهُم مَنْ كانُو زُمَلاءً لِهِتْلَرَ فِي خِدْمَتِهِ العَسْكرِيَّةِ فِي بَعْضِ الجَبَهَاتِ ومِنْهَا الجَبْهَةُ الغَرْبِيَّةِ، ومَقَابِرُهُم فِي أَلمانيَا ومِنْهَا بَرلِين شَاهِدَةٌ عَلى ذَلِكَ
وأَتْرُكُ الآنَ قُبْحَ المُنَافِقِينَ لِأَعُودَ إِلى فُصُولِ التأريخِ ومَا فِيهَا مِنْ جَمَالٍ ونَقَاءٍ بَيِّنٍ... الحَيَاةَ إِذَاً بِجَمالِهَا رَغْمَ الدُّمُوعِ تَسْتَمِرُّ... هِيَ السِّتينيَّاتُ العِرَاقِيَّةُ وإِنْقِلابَاتُهَا السِّيَاسِيَّةُ والعَسْكرِيَّةُ والإِجْتِمَاعِيَّةُ...، الحَسْناءُ سَميرة زيدان ومَلِكاتُ الحُسْنِ والأُنُوثَةِ والسِّحْرِ، وعُرُوضُ الأزْياءِ والمَقاهِيَ والأَغانِيَ ونازِكِ المَلائِكة وليَالِي السَّمَرِ، والفَنادِقُ والسَّهَرُ، وقَضاءُ الليْلِ "فَوْقَ السّطْحِ" تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ، والنّسيمُ العَليلُ والأَمانُ والحَفَلاتُ
وأَجاثا كريستي التِي أَحَبّتْ بَغدادَ ودِجْلَةَ والسَّلامَ والّليَالِيَ البَغْدَادِيَّةَ، والكعْكَ وشَايَ العَصْرِيّةِ، والأَمَانَ وسَاعَاتِ المَغْرِبِيّةِ، لِتَكْتُبَ رُوايَةً عَنْ بَغْدادَ فِيهَا مِنَ التَّشْويقِ وجَمَالِ الزَّمَانِ والمَكانِ والإِنْسَانِ ودِجْلَةَ والبُيُوتِ والدُّورِ
وأُجْبِرَ البَقِيَّةُ مِنَ يَهُودِ العِرَاقِ عَلى مُغَادَرَةِ بَلَدِهِم الذِي أَحَبُّوهُ، وكانَ ذَلِكَ فِي عَمَلِيَّةِ نَقْلٍ جَوِّيٍّ سُمِّيَتْ بِعَمَلِيَّةِ "عِزْرَا ونَحَميا" وكانَتْ أَشْبَهُ بِعَمَلِيَّةٍ جِرَاحِيَّةٍ مُعَقَّدَةٍ بَدَأَتْ فِي سَنَةِ 1950 وإِسْتَمَرَّتْ لِسَنَتَيْنِ، ونُقِلَ فِيهَا أَكثَرُ مِنْ مِئَةِ أَلفِ يَهُودِيٍّ عِرَاقِيٍّ إِلى إِسْرَائِيلَ عَبْرَ إِيرَانَ وقُبْرُصَ. وكانَ الكثِيرُ مِنْهُم يَبْكِي حُزْنَاً إِمَّا عَلى تَجْرِيدِهِ مِنْ جِنْسِيَّتِهِ وحُبِّهِ وأَصْلِهِ وأُصُولِهِ وأَرْضِهِ وبَيْتِهِ وجِيرَتِهِ وفِرَاقِ المَاضِي الجَّمِيلِ، أَو خَوْفَاً مِنْ المَجْهُولِ فِي إِسْرَائِيلَ. ولَمْ يَبْقَى ويَتَبَقَّى سِوَى المِئَاتُ مِنْ اليَهُودِ فِي إِحْصَاءٍ يَهُودِيٍّ فِي عَامِ 1968 -- بَعْدَ أَنْ كانُو الأَكبَرَ والأَكثَرَ نِسْبَةً مِنْ يَهُودِ العَرَبِ فِي بِلادِ العَرَبِ! فَعَادَتْ ذِكْرَى السَّبْيِ البَابِلِيِّ الحَزِينِ، وعَادَ التأرِيخُ المَرِيرُ، ونُسِخَ القَدَرُ المَكْتُوبُ - لكِنْ بِشَكْلٍ آخَرٍ ومَأْسَاةٍ أُخْرَى. وسُمِّيَتْ العَمَلِيَّةُ "عِزْرَا" -- بالعَرَبِيَّةِ "عَزِير" ومَعْنَى الإِسْمِ "الذِي يُسَاعِدُهُ الرَّبُّ" -- نِسْبَةً إِلى عِزْرَا الكاتِبِ أَو عِزْرَا الكاهِنِ الذِي كانَ مُوَظَّفًا وكاهِنَاً فِي بَلاطِ مَلِكِ الفُرْسِ فِي أَرْضِ بَابِلَ المُحْتَلَّةِ. وسُمِحَ لَهُ ولِليَهُودِ المَنْفِيِّينَ والمَسْبِيِّينَ بِالعَوْدَةِ إِلى أَرْضِهِم فِي فَتْرَةٍ مَا، فَعَادَ مِنَ الأَسْرِ البَابِلِيِّ وأَعَادَ تَعْلِيمَ التَّوْرَاةِ فِي القُدْسِ المُدَمَّرَةِ، وفَرَضَ إِحْتِرَامَ النَّامُوسِ وتَطْهِيرَ المُجْتَمَعِ مِنَ الإِنْحِرَافَاتِ الأَخْلاقِيَّةِ والإِجْتِمَاعِيَّةِ والدِّينِيَّةِ فِي قِصَّةٍ تَوْرَاتِيَّةٍ وكِتَابِيَّةٍ مَعْرُوفَةٍ. وعِزْرَا - فِي الأَمْسِ واليَوْم - شَخْصِيَّةٌ تَوْرَاتِيَّةٌ وتأرِيخِيَّةٌ تَحْظَى بِإِحْتِرَامٍ كبِيرٍ فِي اليَهُودِيَّةِ والمَسِيحِيَّةِ وعُلَمَاءِ اللاهُوتِ والدِّينِ المُقَارَنِ
وأَخْفَى القَادَةُ الكُرْدُ الأَمْرَ والحَقِيقَةَ ومَا حَدَثَ فِي مَدِينَةِ حَلَبجَة عَنِ المُجْتَمَعَاتِ الكُرْدِيَّةِ والعِرَاقِيَّةِ -- حَتّى فِي المُحَاكمَاتِ العَبَثِيَّةِ والمَسْرَحِيَّةِ والإِنْتِقَامِيَّةِ التِي أَدَّتْ إِلى إِعْدَامِ الرَّئِيسِ العِرَاقِيِّ صَدّام حسين بَعْدَ إِنْهِيَارِ العِرَاقِ فِي سَنَةِ 2003 رَغْمَ أَنَّ قَرَارَ إِعْدَامِهِ أَو "التَخَلُّصِ مِنْهُ ومِنْ أَسْرَارِهِ العِرَاقِيَّةِ والعَرَبِيَّةِ والإِقْلِيمِيَّةِ والدُّوَلِيَّةِ" كانَ قَدْ تَمَّ إِتِّخَاذُهُ قَبْلَ وخِلالَ وبَعْدَ إِحْتِلالِ العِرَاقِ وأَهْلِهِ. ومَنْ يَخْتَصُّ أَكادِيمِيَّاً فِي العُلُومِ الإِجْتِمَاعِيَّةِ بِكُلِّ فُرُوعِهَا أَو مَفَاصِلِهَا -- عِلْمِ الإِجْتِمَاعِ والعُلُومِ الإِنْسَانِيَّةِ والإِقتِصَادِ والسِّيَاسَةِ والتأرِيخِ واللاهُوتِ والفَلْسَفَةِ والقَانُونِ واللُّغَاتِ والإِتِّصَالِ وغَيْرِهَا فِي تَطَوُّرِ العُلُومِ والإِنْسَانِيَّاتِ -- فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ كلِمَاتِهِ ومَعَانِيهِ عَلى صُلْبِ الحَيَاةِ والصُّلْبِ مِنَ التأرِيخِ ومَاهِيَّةِ الأَحْدَاثِ ومُعَادَلَةِ الحَقِّ والحَقِيقَةِ
وأَذْكُرُ هُنَا الوَزِيرَ الألْمَانِيَّ مُتَحَدِّثَاً إِلى مُسَاعِدِيهِ قائِلاً "أَيُعْقَلُ أَنْ يُمَثِّلَ هَؤُلاءُ مِيسوبوتَاميا -- أَقْدَمَ الحَضَارَاتِ؟!" فِي إِشَارَتِهِ إِلى الوَفِدِ العِراقِيِّ خِلالَ لِقَاءٍ "لا مَعنَى أَو أَهَمِيَّةَ لَهُ" قَبْلَ أَشْهُرٍ وشُهُورٍ
وأَرَادَ المَلالِي "خَلْقَ" أَجْيَالٍ عَرَبِيَّةٍ أُخْرَى لا تُشْبِهَ بَعْضَهَا أَو أَسْلافَهَا أَو حَضَارَاتِهَا ولا أَخْلاقَ لَهَا أَو رُقِيَّ فِيهَا. ولِلأَسَفِ نَجَحُو بِشَكْلٍ أَو بِآخَرَ فِي ذلِك، فَأَصْبَحَ هُنَاكَ جِيلٌ عِراقِيٌّ وعَرَبِيٌّ عاشِقٌ للفِتَنِ والحُرُوبِ والغَوْغائِيَّةِ والهَمَجِيَّةِ فِي الحَدِيثِ والتَّفْكيرِ وأُسْلُوبِ الحَيَاةِ والعَمَلِ بَلْ والعادَاتِ اليَوْمِيَّةِ وشَكْلِ الحَيَاةِ وأَشْكالِهَا. وأَنَا هُنَا لا أَتَحَدَّثُ عَنِ العِرَاقِيّينَ والعَرَبِ فِي العِرَاقِ وبِلادِ العَرَبِ بَعْدَ إِنْهِيارِ المَلَكِيَّاتِ وعُصُورِ الرُّقْيِ ومَا تَلاهَا فِي إِنْقِلابَاتٍ وفِتَنٍ وحُرُوبٍ وتَشْوِيهٍ للأَجْيَالِ وثَوْرَاتٍ دَمَويَّةٍ وتَدْمِيريَّةٍ فَحَسْب، بَلْ أَيْضَاً "بَعْضِ" أُولئِكَ مِنَ العِرَاقِيّينَ والعَرَبِ الذينَ يَعِيشُونَ اليَوْمَ فِي أُوروبّا وأَمْريكا وقارَاتٍ أُخْرَى -- ومِنْهُم مَشَاهِيرٌ لَهُم المِئَاتُ مِنَ المُتَابِعِينَ الذينَ يُشْبِهُونَهُم -- ويَظْهَرُونَ عَلى صَفَحاتِهِم بِشَكْلٍ آخَرَ وأَخْلاقٍ مُغايِرَةٍ للوَاقِعِ، ومَا يَقُومُونَ بِهِ عَلَنَاً فِي المُجْتَمَعَاتِ مِنْ عَاداتٍ يَوْمِيَّةٍ أَو حَدِيثٍ بِصَوْتٍ عَالٍ وهَمَجِيٍّ وسُوقِيٍّ فِي الشَّوارِعِ أَو مَعَ الجِّيرانِ أَو المُوَظَّفِينَ أَو العِيَاداتِ والمُؤسَّسَاتِ أَو البَّصْقِ فِي الطُّرُقَاتِ أَو التَحَرُّشِ مَعَ أَيِّ "مَخْلُوقَةٍ" شَقْرَاءَ وإِنْ كانَتْ طِفْلَةٌ أَو مُراهِقَةٌ فِي طَرِيقِهَا إِلى البَيْتِ أَو المَدْرَسَةِ! وأَيْضّاً مَا يَكونُ مِنْهُم مِنْ هَمَجِيَّةٍ وإِنْحِطاطٍ إِنْسانِيٍّ أَو ثَقَافِيٍّ أَو حَتّى بَشَرِيٍّ فِي التَّجَمُّعَاتِ والسِّينَماتِ والحَفَلاتِ. فَهَلْ هُوَ الحِرْمَانُ مِنَ الأَرْضِ والأَوْطَانِ والأَمَانِ والجِّنْسِ والحُبِّ؟ لا، بَلْ هُوَ الحِرْمَانُ مِنَ التَّرْبِيَةِ! والنَّاسُ أَو حُكُوماتُ الغَرْبِ لا يَتَحَدَّثُونَ عَنِ الفَرْدِ والأَفْرادِ، ولا يَقُولونَ "عِراقِيٌّ أَو عَرَبِيٌّ فَعَلَ هذَا أَو ذاكَ" بَلْ يَجْمَعُونَ الأَفْعَالَ والأَقْوَالَ والأَفْرَادَ والثَّقَافَاتِ ويُعَمِّمُونَ ويَقُولوُنَ "العِراقِيّونَ والعَرَبُ فَعَلُو ويَفْعَلُونَ هذَا وذاكَ!!" إِذَنْ، الشُّعُوبُ تُشْبِهُ أَوْطانَهَا وحُكومَاتِهَا
وإِسْتَقَلَّ العِرَاقُ فِي نِهَاياتِ العِشْرينيَّاتِ وبِدَاياتِ الثّلاثينيّاتِ شَيْئَاً فَشَيْئَاً وهِيَ حِكْمَةُ الأَشْيَاءِ، وكانَ العِرَاقيُّونَ سُعَدَاءَ، وهُم مِنْ أَوائِلِ الشُّعُوبِ يَسْتَقِلُّونَ، بِشَخْصِيَّةِ وحِكْمَةِ المَلِكِ المُؤَسِّسِ فيصَل وعَبْقَريَّةِ أَرْقَى وأَذْكى وِزَرَاءِ ماليَّةِ بِلادِ الرَّافِدَيْنِ ساسُون
وإِسْتَمَرَّ الإِيرانيّونَ وكارِهُو وادِي الرَّافديْنِ فِي كِتابَةِ فُصولِ الإِنتِقامِ... يَنْتَقِمُونَ مِنَ الرُقيِّ وتَنوّعِ المُجتمَعاتِ والدِّينِ - يَنْتَقِمُونَ مِنَ السّومَريّينَ والبابِليّينَ والآشوريّينَ وأَهْلِ الدَّارِ والمَكانِ والمَكِينِ، مِنْ كِرامِ العَشائِرِ والشّيوخِ فِي الشّرْقِ والغَرْبِ والجُّنوبِ وسِحْرِ الأَهْوارِ، مِنَ الكُرْدِ وأَهْلِ الشّمالِ والطّبيعَةِ والجِّبالِ، ومَزَارِعِ ديالى والبُرْتُقالِ، وسِحْرِ المُوصِلِ وجَمَالِهَا والكُبَّةِ المُوصِليَّةِ، وحَلاوَةِ اللَّهْجَةِ المُوصِليَّةِ، وزُرْقِ العُيُونِ مِنْ أَجْيالٍ لِأَجْيالٍ، ومِنَ المِياهِ والشَّلالِ، ومِنَ المَسيحِيّينَ واليَزيديّينَ والنَّخيلِ والوَرْدِ والأَزْهارِ، مِنَ العُلَماءِ والفَنّانينَ والمُثَقّفينَ مِنَ الخّاصَّةِ والعَوَامِ -- يَنْتَقِمُونَ مِنَ أَهْلِ العِرَاقِ -- الرِّجَالِ والنِّسَاءِ والأَطْفَالِ -- الذينَ إِنتصرُو فِي الثّمانينيّاتِ حِينَ غَنّتْ الشُّعُوبُ والطَّوائِفُ ومَلائِكةُ السَّماءِ والمَقامِ، وكِبْرياءُ الليالي والأَيّامِ
وإِسْتَمَرَّتْ الحُرُوبُ الدِّينيَّةُ والسِّيَاسِيَّةُ والشَّخْصِيَّةُ والعُنْصُرِيَّةُ والإِقْتِصَادِيَّةُ...، والدُّوَلُ الأُوروبِيَّةُ وإِسْتِعْمَارُهَا لِبِلادِ وبُلْدَانِ أَفْرِيقيَا بِغِنَاهَا وثَرَوَاتِهَا ومَوَارِدِهَا بَعْدَ مُؤْتَمَرِ بَرْلِينَ فِي سَنَة 1884 وتَقْسِيمِ مَنَاطِقِ أَفْرِيقيَا وإِسْتِعْمَارِ أَرْضِهَا وإِسْتِعْبَادِ رِجَالِهَا ونِسَائِهَا وإِهَانَةِ أَطْفَالِهَا وقَتْلِ وإِبَادَةِ الآلافِ مِنَ الأَبْرِيَاءِ "فَقَط" لِأَنَّهُم مُخْتَلِفُونَ أَو "أَقَلُّ قِيمَةً" حَسَبَ قِيَاسِ ومِقْيَاسِ البَشَرِيَّةِ والإِنْسَانِيَّةِ والخَلْقِ والخَلِيقَةِ فِي مِيزَانِ سُكَّانِ أُوروبّا
وأُسِّسَ مَجْلِسُ حُكْمٍ أَشْبَهُ بِعَرْضِ الدُّمَى، وأَبْطالُهُ الضِّفْدَعُ "العِرَاقِيُّ" كيرمِت وحَبِيبَتُهُ "العِرَاقِيَّةُ" الآنِسَةُ بِيجِي، وفِيهِ مَنْ فِيهِ مِنَ الخَلْقِ والمَخْلُوقاتِ الأَرْضِيَّةِ، وقُتِلَ المَسِيحيُّونَ والأَبْرِياءُ فِي الدُّورَةِ والغَزَاليَّةِ والجّادريَّةِ، وقُتِلَ العَدِيدُ مِنَ الفِلِسْطِينيّينَ وأَهْلِ فِلِسْطِينَ السَاكِنينَ فِي بَغْدَادَ وسُلِبُو وأُخِذَتْ مِنْهُم الأَسْوَاقُ والأَرْزَاقُ والبُيُوتُ والشُّقَقُ السَكنِيَّةُ، وطُرِدُو وهُجِّرُو بِأَمْرِ الميلشيَاتِ والأَحْزَابِ الطَّائِفيَّةِ والعِمَامَاتِ الإِيرانيَّةِ. والأَحْزَابُ والميلشيَاتُ "ذَاتُهَا" - وفِي الجَّانِبِ الآخَر مِنْ أَرْضِ النِّفَاقِ ونَهْرِ الشِّقَاقِ - تَبِيعُ وتَشْتَرِيَ الصَوَارِيخَ ومُسَيَّرَاتِ القَتْلِ والجَّهْلِ لِ "نُصْرَةِ أَهْلِ فِلِسْطِينَ" وضَرْبِ إِسرَائيلَ "عِندمَا يَحِينُ الوَقْتُ" بِأَمْرِالعَمَائِمِ والعِمَامَاتِ الفَارِسيَّةِ، وقَادَتُهَا مِنَ عُمَلاءِ إِيرَانَ يَتَبَاكُونَ "اليَوْمَ" عَلى أَهْلِ فِلِسْطِينَ والقُدْسِ ويُنَادُونَ "نِفَاقَاً" بَلْ ويَصْرُخُونَ بِتَحْرِيرِهَا وتَدْمِيرِ بِلادِ دَاوُدَ ورَمْيِ اليَهُودِ فِي البَحْرِ وإِنْهَاءِ الصُّهْيُونيَّةِ!! لا تَنسِ يَا هِندُ، إِنَّهُ عَصْرُ الجَّهْلِ والنِّفَاقِ
وأَصْبَحَ السِّلاحُ فِي أَيَّامِنا رُكْنَاً أَسَاسِيَّاً مِنْ أَسَاسِيَّاتِ أَثاثِ البَيْتِ! والرَّجُلُ لا تَكْتَمِلُ رُجُولَتُهُ إِلاّ بِسِلاحٍ فِي خَصْرِهِ -- ولا تَكْتَمِلُ أُنوثَةُ المَرْأَةِ إِلاّ بِلِسَانٍ سَليطٍ فِي فَمِهَا -- بَعْدَ أَنْ كانَ سِلاحُ الرَّجُلِ فِي عُصُورِ المَلَكيَّاتِ الذَّهَبيَّةِ هُوَ المُوسِيقَى والكِتَابَ والسَّفَرَ والتِّرْحَالَ، وكانَ سِلاحُ المَرْأَةِ هُوَ العِلْمَ والثَّقافَةَ والأُنوثَةَ والجَّمَالَ -- وهُنا أتَحَدَّثُ عَنِ الجَّمَالُ الطَّبِيعِيِّ، أَو فِي أَقَلِّ تَقْديرٍ، كانَ سِلاحُ الإِثْنَيْنِ مِنَ النِّساءِ والرِّجَالِ فِي المَلَكيَّاتِ هُوَ الهُدُوءَ والرُّقِيَّ ورَاحَةَ البَالِ
وأَصْبَحَتْ المَنَاطِقُ الرَّاقِيَةُ المَذْكُورَةُ، بِهذَا التَّحَوُّلِ والتَّشْوِيهِ الديمُغرافِيِّ الهَائِلِ، تُدْعَى فِي الأَوْسَاطِ البَغْدَادِيَّةِ بِمَنَاطِقِ "اللَّمْلُومِ" أَيْ المَنَاطِقُ والأَحْيَاءُ التي "لَمَّتْ" كُلَّ أَنْوَاعِ البَشَرِ ومِنْهُم القَتَلَةَ واللصُوصَ وعَدِيمِي التَّرْبِيَةِ وغَيْرِ المُتَعَلِّمِينَ إِمَّا "لِأَسْبَابٍ قَدَرِيَّةٍ" ولا ذَنْبَ لَهُم، أَو "لِأَسْبَابٍ إِخْتِيَارِيَّةِ" وهُنَا أَتَحَدَّثُ عَنْ الإِنْحِرَافِ الإِخْتِيَارِيِّ، فَتَشَوَّهَتْ وسُكِنَتْ مِنْ هُنَا وهُنَاك
وأَعُودُ إِلى مَا بَعْدَ مَأْسَاةِ الفَرْهُودِ ودُرُوسِهَا وهِجْرَةِ الأَحْبَابِ مِنَ المَسِيحِيِّينَ واليَهُودِ. وعِندمَا جَلَسَ المَلِكُ الحَبِيبُ فيصَل الثَّانِي عَلى عَرْشِهِ المَجِيدِ والوَقْتُ فِي عَامِ 1953 قَدْ حَانَ وكانَ، أَقْسَمَ بِأَنْ يَبْنِيَ عِرَاقَاً جَدِيداً لا ظُلْمَ فِيهِ، إِذْ يَعيشُ فِيهِ الجَّمِيعُ سَويَّةً بِرَخَاءٍ ونَعِيمٍ وأَمَانٍ. وقالَها مِرَارَاً لِعائِلتِهِ وخَطِيبَتِهِ ومُربِّيَتِهِ وشَعْبِهِ ومَنْ وَثِقَ فِيهِم وبِهِم وأَحَبَّهُم مِنْ عَشيرَتِهِ مِنَ الهاشِميِّينَ وإِبْنِ عَمِّهِ الحُسَيْنِ والجِّيرَانِ. لكِنَّ العِراقِيّينَ، كعَادَتِهِم، لَمْ يَشْكرُو السَّمَاءَ عَلى نِعْمَةِ المَلِكِ الصَّالِحِ وهذِهِ الرَّحْمَةِ وهذَا العَطَاءِ مِنَ المَنَّانِ! فَقَتَلوُهُ
وأَعُودُ إِلى هِتْلَرَ، الزَّعِيمِ المُخْتَلِّ عَقْلِيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً، وهذِهِ حَقِيقَةٌ عِلْمِيَّةٌ وتأرِيخِيَّةٌ -- فَهُوَ مِنْ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ، وقَدْ كرِهَ نَفْسَهُ وعَائِلَتَهُ لِهَذَا. أَمَّا حُبُّهُ الشَّدِيدُ لِوَالِدَتِهِ كلارَا، والتي تَعَلَّقَ بِهَا جَسَدِيَّاً ورُوحِيَّاً، فَقَدْ كانَ إِسْتِثْنَاءً وَحِيداً لِإِحْسَاسِهِ بِالنَّقْصِ والوِحْدَةِ والرَّفْضِ مِنَ المُجْتَمَعِ. وأَيْضَاً، عَطْفَاً عَلَيْهَا وغَضَبَاً مِنْ وَالِدِهِ أَلوِيس الذي عُرِفَ بَقَسْوَتِهِ الشَّدِيدَةِ عَلَيْهِ وعَلى أُمِّهِ كلارَا والتي كانَتْ إِبْنَةُ عَمِّ أَلوِيس -- وكانَتْ كلارَا صَغِيرَةَ السِّنِّ بِمَا يَكفِي لِتَكونَ إِبْنَتَهُ إِذْ كانَتْ تُنَادِيهِ "عَمِّي أَلوِيس" -- وقَدْ إِنْضَمَّتْ أَوَّلاً إِلى أُسْرَتِهِ كخَادِمَةٍ لكِنَّهَا غَادَرَتْ بَعْدَ زَوَاجِهِ الثَّانِي -- ثُمَّ عَادَتْ "عِندمَا مَرِضَتْ زَوْجَةُ أَلوِيس الثَّانِيَةُ" لِرِعَايَةِ أَطْفَالِ أَلوِيس ومَنْزِلِهِ، وإِنْتَهَى بِهَا الأَمْرُ حَامِلاً بِطِفْلٍ لَهُ مَا لَهُ فِي تأرِيخِ البَشَرِ. وكرَاهِيَةُ هِتْلَرَ لِأُصُولِهِ اليَهُودِيَّةِ ولاحِقَاً المَسِيحِيَّةِ الكاثُولِيكِيَّةِ وعَدَمِ إِحْتِرَامِهِ لِلإِيمَانِ المَسِيحِيِّ "رَغْمَ ثَبَاتِ مَعْمُودِيَّتِهِ الكاثُولِيكِيَّةِ" لَهَا أَحْدَاثٌ وأَسْبَابٌ شَخْصِيَّةٌ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِجِيرَتِهِ فِي إِقْلِيمِ النَّمْسَا العُلْيَا، ثُمَّ عَدَمِ قُبُولِهِ كرَسَّامٍ أَو فَنَّانٍ ذِي مَوْهِبَةٍ فَنِّيَّةٍ رَغْمَ تَمَتُّعِهِ بِشَيءٍ مِنْهَا. ونَرَى ذَلِكَ فِي لَوْحَاتِهِ المَعْرُوفَةِ والمَحْفُوظَةِ والتَّسْجِيلاتِ الخَاصَّةِ بِنِقَاشَاتِهِ فِي بِدَايَاتِ التَّصَامِيمِ الهَنْدَسِيَّةِ والمِعْمَارِيَّةِ مَعَ مُهَنْدِسِيهِ ومِنْهُم أَلبرت شبِير، إِذْ كانَا يَشْتَرِكَانِ بِحُلْمِ إِنْشَاءِ بَرْلينَ الكُبْرَى، لكِنَّ الحُرُوبَ، كالعَادَةِ، تَقْتُلُ الفَنَّ وتُمِيتُ مَا فِيهِ مِنْ جَمَالٍ وخَيَالٍ ورَوْعَةٍ
وأَقُولُ... عَلى العِراقِيِّينَ أَنْ يَحكُمُو أَنْفَسَهُم وعَلى العَرَبِ أَن يَحْكُمُو أَرْضَهُم. فَمِنَ المُعِيبِ والغَريبِ أَنْ يَكُونَ شِيعَةُ العِرَاقِ والعَرَبِ "عَبيداً" للسِيستانِيِّ وهُوَ رَجُلٌ فارِسِيٌّ، أَو أَنْ يَكُونُو "عَبيدَاً" لِخامَنَئِيِّ وهُوَ رَجُلٌ أَذَرِيٌّ، وقَبْلَهُ الخُمَيْنِيُّ وهُوَ رَجُلٌ هِنْدِيٌّ - مَعَ الإِحْتِرَامِ لِكُلِّ القَوْميَّاتِ والجِنْسِيَّاتِ والحَضَاراتِ، ولا إِحْتِرَامَ للمُنَافِقِينَ مِنَ الدُّعَاةِ، ومِنْ زَارِعِي وحَاصِدِي الدِّينِ السِّيَاسِيِّ والفِتَنِ والجَّهْلِ والقَتْلِ والحُرُوبِ والحِكايَاتِ والخُرَافَاتِ
وأَقُولُ، إِنَّ الحِفَاظَ عَلى الأَرْضِ أَو مَا تَبَقّى مِنْهَا لا يَكُونُ بِقَتْلِ الأَبْرِيَاءِ والإِرْهَابِ وإِشْعَالِ حُرُوبٍ غَبِيَّةٍ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ لَيْسَا فِي تَكافُؤٍ عَسْكَرِيٍّ ولَوْ الشَيءِ البَسِيطِ، بَلْ بالسِّياسَةِ وتَبَادُلِ الأَفْكارِ والمُحَاوَلاتِ والتَّنَازُلاتِ المَعْقُولَةِ والحَكِيمَةِ "دُونَ مَسٍّ بِالكرَامَاتِ" ومُعَادَلاتِ "الأَرْضِ والسَّلامِ" وتَقْليلِ الخَسَائِرِ والحِفَاظِ عَلى مَا تَبَقَّى قَبْلَ ضَيَاعِ مَا تَبَقَّى -- وإِنْشَاءِ دَوْلَةٍ للفِلِسْطينيّينَ لِيَعِيشُو بِسَلامٍ مَعَ دَوْلَةِ إِسْرائِيل. وأَمَّا الإِتَّكالُ عَلى عِمَامَاتِ إِيرَانَ "وهِيَ لا تُرِيدُ الخَيْرَ والسَّلامَ للعَرَبِ، بَلْ شِعَارُهَا بَيْعُ القَرِيبِ وشِرَاءُ الغَرِيبِ والأَهَمُّ هُوَ الغَرْبُ والمَكْسَبُ" أَو مَا كانَ ويَكونُ مِنْ أوْهَامِ "تَحْريرِ القُدْسِ" والشِّعاراتِ، فَهُو لَيْسَ إِتِّكالٌ وهِيَ لَيْسَتْ حَقائِقٌ بَلْ أَكاذِيبٌ بَرَعَ فِيهَا المُنَافِقُونَ وتَوَارَثَها الشَّبابُ جِيلٌ بَعْدَ جِيلٍ لِعَوامِلَ "رِبْحِيَّةٍ" ودينيَّةٍ وطَائِفِيَّةٍ وإِجْتِمَاعِيَّةٍ مَعْرُوفَةٍ
لا يُصَدَّقُ أَنِّي أتَحَدَّثُ وأكْتُبُ عَنْ نَفْسِ الأَرْضِ والجُّغرافيَا والبَلَدِ وذاتِ الخَليقَةِ والبَشَرِ والإِنْسَانِ! بَلْ هِيَ الأَحْداثُ التِي لَمْ أَشْهَدْ الكثِيرَ مِنْهَا، إِذْ لَمْ أَكُنْ فِي ذَاتِ الزَّمَانِ والمَكانِ والخَلْقِ، وكانَ جُلُّهَا قَبْلَ أَنْ أُولَدَ بِعُقُودٍ وسِنِين. لكِنَّهَا أَحْدَاثٌ كانَتْ، ولا زَالَ خَيْرُهَا، وهُوَ قَلِيلٌ، وشَرُّهَا، وهُوَ كثِيرٌ، تَرْسِمُ أَيَّامَ وأَحْلامَ وأَقْدَارَ العِرَاقِيّينَ والعَرَبِ والأَزْمَانِ، وتَنْقَلِبُ هُنَا وهُنَاكَ فِي آونَةٍ وآنٍ. والحِاكِمُ فِي طَهْرَانَ، والعِمَامَةُ إِذا إنْقَلَبَتْ بِغَدْرِ الزَّمَانِ وكانَ مَا كانَ. هِيَ الحَقيقَةُ ومَرَارُها وحَلاوَتُهَا - أُدَوِّنُهَا بِقَلَمِي قَبْلَ أنْ تَمُرَّ العُقُودُ وتَبْدَأَ لُعْبَةُ الزَّمَانِ أَو نِعْمَةُ النِّسْيانِ
.......
مِنْ كِتَابِ "السَّمَاءُ والأَرْضُ" -- مازن لِن، 2020
بِقَلَمِ: مازن لِن
© حقوقُ الطّبعِ والنّشْرِ مَحفوظةٌ للكاتِب
2020