إنّ الجّاسُوسِيّةَ ليسَت زِراعَةُ شَخصٍ ما في مَكانٍ آخَر، بل هِيَ زِراعَةُ إنسانٍ آخَر في مُجتمَعٍ مُتكامِل

!وكُلُّ شَيءٍ يَتَطَوّرُ في عَالمِنَا اليَوم.. حَتّى الغَبَاء

"مازن لِن، من كتاب "الجّاسُوس

 

"إيلي كوهين ورفعت الجمّال "رأفت الهجّان

"الوَتَد"

Eli Cohen and Jack Bitton

The “Stake”

Mazin Linn

بِقلم: مازن لِن

 

همَسَ المَسؤولُ "الألمانيُّ" إليَّ بحديثٍ وقال: إنّ عمليّةَ "ياتيد" وهي كلمة عبرية تعني "الوَتد" أو "الإسفين" في الإشارةِ إلى تجنيدِ المواطن المصري "رفعت الجمّال" أو "جاك بيتون" في خمسينيّاتِ القرنِ الماضي -- هي واحدةٌ من أدقِّ عمليّاتِ الموسادِ منذ تأسيسِهِ على الإطلاق. وفي مذكّراتِهِ الأصليّةِ التي كتبها في دارمشتادت بألمانيا وأودعها في إسرائيل يَذكر "الجمّالُ" أنّ  بدايتَه مع المصريين كانت مُهينة وإبتزازيّة، وأنّه لم ينسى لهم رحلةَ السّجونِ الباردة، على حدِّ تعبيرِه، لكنّ عملَه مع الموساد، الذي بدأ بمفاجأةٍ غير مُتَوَقّعة، تحوّلَ إلى علاقةٍ طيّبةٍ مع الإسرائيليين الذين تعاملو معه ك "إنسان موهوب" وليسَ "حرامي خزن" كما كان في مصر، على حدِّ قوْلِهِ، وبأنّ المصريين لم يهتمّو لمصيرِهِ على الإطلاق، إذ كان بالنسبةِ لهم مُجرّد "فأر تجارب" عليه أن يَفهمَ كُلَّ شيءٍ بسرعةٍ فائِقةٍ ليختبرو أنفسَهم أوّلاً، وهم يعلمون أنّ كشْفَه مسألةُ وقت! ويَذكر "بيتون" في مذكّراتِه أنّ أحدَ مُحقّقيٍ الموساد كان يُناديه ب "الفنّان" بعد أن أبدى إعجابَه بأدوارهِ الصّغيرةِ في أفلامِ الأربعينيّاتِ التي كان المصريون اليهودُ ينتجون الكثيرَ منها ويعشقونها في إسرائيل، كذلك بالجرأةِ النّادِرة في  قدومِهِ إلى إسرائيل، وقالو له لاحقاً "أنّ هذا الرّأس لم يُخلق للمشنقةِ بل لتحقيقِ المُعجزات." وفي شهادةٍ لاحقةٍ لأحدِ ضبّاطِ الآمانِ قالَ أنّ "بيتون" كان يتعرّق ويبتسم كثيراً في أوّلِ لقاءٍ بهِ. ويَذكر "الجمّالُ" أو "الوَتَد" في مذكّراتِهِ أنّ الرّئيسَ الإسرائيليّ "عيزر وايزمان" وزوجته أصبحو له بمثابة العائلةِ التي فقدها في مصر، وكان "وايزمان" يدعوه ب "النّجم" وبأنّهُ "إسرائيليّ حقيقيّ" وشاطرَه الرّأيَ بأنّ غباءَ "جمال عبد الناصر" كان هديّةً من السّماءِ لإسرائيل، كما أشارَ إلى ذلك أيضاً القاضي موسى أو "موشيه دايان" في إحدى الحفلاتِ الإنتصاريّة "المُسجّلة" حيث كانو يتحدّثون عن غباءِ "ناصر" وإضعافِهِ لليمن وسوريا وليبيا والعراق والجزائر والأردن...، وإنهاكِ الجيشِ المصري في حروبٍ غبيّة في اليمن والجزائر وغيرها، وإفلاسِ مصر التي كانت الأغنى قبل الإنقلاب... وأنّ نهايةَ "ناصر" لن تكونَ ب "رَصاصة" بل ب "فنجان قهوة...،" وإنّ قاتِلَهُ ليسَ بالضّرورةِ مُحِبّاً لإسرائيل لكنّهُ مُحِبّاً للسّلام. كما تحدّثو عن مُعجزةِ الزّراعةِ الإسرائيليّةِ والأراضي الخضراء التي كانت مُجرّدِ صحراء قبل سنوات... وقد إستثمرَ "الجمّالُ" في تلك الأراضي... كما تحدّثو عن "فيرناندا" الشّابة الإيطاليّة المصريّة التي إستطاعت سرقة أهمِّ ملفّاتِ قناةِ السويس من منزلِ الوزير المصري -- ومَوْضُوعاتٍ أخرى. ويَذكر "الجمّالُ" أنّه أحبَّ "جولدا مائير" وأحسّ بالسّعادةِ عندما كرّمتهُ لجهودِهِ نهاية الستينيّات ومُناداتِهِ ب "البطل" وقال أنّها سيّدةٌ قويّةٌ حَنون تتمتّع بالحكمةِ وتعشق السّلامَ والمُساواةِ، وأنّه تعلّمَ منها الكثير. كما يذكر أنّ "دايان" صديقٌ مُخلصٌ لا يُمكن تعويضه، وكان يأتي له بالهدايا، وقدّمَ لهُ تمثالاً لأحدِ الفراعنةِ بعد زيارتِهِ لمصر في السبعينيّات، وأنّ وفاة "دايان" سبّبت لهُ الحزنَ العميق. وقد شهِدَ الموسادُ بعضَ المحطّاتِ المُهمّة أثناء إعادةِ تأهيلِ "الجمّال" منها أنّه كان مُصاباً ب "النوستالجيا النسائيّة" أي حنينه إلى حبّهِ الأوّل والوحيدِ في مصر، وهي فتاة مصريّة يونانيّة شغفَ حبُّها قلبَه وأحبَّ من خلالِ العيْشِ معها اليهودَ وتراثَهم خاصّةً الفنّيّ والموسيقيّ، ممّا جعل الموساد يُرتّب "له" و "لها لاحقاً" لقاءاتٍ متفرّقة إلى إسرائيل واليونان وقبرص لقضاءِ وقتٍ معاً خاصةً بعد خروجها من مصر، ويقول "الجمّالُ" أنّ تلكَ الأيام كانت الأجمل في حياتِهِ، وكان الإثنان مُتفقيْن، كما كانا في مصر، على أنّ "بتوع الثورة" حسب تعبيرهما "شوية مُراهقين خنقونا ودمّرو البلد." وكان "جاك" يعتبر نفسَهُ مُسلماً يهوديّاً، وأحبَّ التشابهَ الكبيرَ والغريبَ بين طقوسِ الديانتيْن، وكان الحائِطُ الغربيُّ مكانَهُ المُفضَّل ولم يكن بالنسبةِ لهُ مكاناً للعبادةِ بل للرّاحةِ النفسيّةِ والرّوحيّة. ويَذكر "بيتون" في مُذكّراتِهِ أنّه، وفي إحدى اللقاءاتِ مع أحدِ القَساوسة في إنجلترا، أنّ القِسّيسَ أُعجِبَ بإجابةِ "الجمّالِ" عن كوْنِهِ مُسلماً يَهوديّاً في حديثِهِ عن نفسِهِ، وإن كان مازِحاً. وأصبحَ "الجمّالُ" موضِعَ شكٍّ للمصريين، ولاحقاً في أروقةِ المخابراتِ المصريّة تمّ، بشكلٍ غير رسميّ، إعتباره "خطر" ووَضْعِ "الإشارةِ الخّاصّةِ" على ملفِّهِ الشّخصيّ، على حدِّ تَعبيرِ المَسؤول. ورغم مُحاولاتِهم في أوروبا وإستدراجِهِ لمصر لكنّهم لم يتوصّلو إلى أيِّ دليلٍ ضِدّهُ لِبراعتِهِ في الأداءِ ودقّتِه في سرْدِ الأحداث. يُذكر أنّ تلكَ الفتاة اليونانيّة قد توقّفت عن الرّقصِ والتّمثيلِ وأُصيبت بالإكتئابِ بداية الثمانينيّات بعد مرض "الجمّالِ" بسببِ السّجائِر التي لم تُفارق أصابعَه. وكان "الجمّالُ" يُبالغ في "المداعبة والهزل" و "التّلاعبِ في الألفاظ" وهذا جعله يرتبك ويُخطئ أكثر، وهي "من الأسباب" التي أدّت إلى كشْفِهِ في البداية، لكنّ الإسرائيليين تعاملو مع هذا العيْبِ الشّخصيّ في ترويضِهِ للسّيطرةِ على هذه العادةِ التي إكتسبها في السّينما عِلاوة على غضبهِ من مُجتمعِهِ وتمرّدِهِ على نفسِهِ وعالمِهِ الأوّل. أمّا نقطة الضّعفِ الأخرى وهي عشقه للنّساءِ فلم يهتم الإسرائيليّون بها كثيراً خاصّةً بعد نجاحِهِم في إعادةِ تأهيلِ علاقتِهِ مع حبّهِ الأوّل فأصبح "الياتيد" متّزناً، هادئ البال ومُتماسكَ النّفس. يُذكر أنّ إنتقالَ "الجمّالِ" إلى ألمانيا وزواجَه بإمرأةٍ ألمانيّة كان عمليّة "جراحيّة" دقيقة بين المخابراتِ الإسرائيليّةِ والألمانيّةِ التي قدّمت وتُقدّم خدماتٍ مُعيّنة لإسرائيل للتكفير عن الهولوكوست. ومن الجّديرِ بالذّكرِ أنّ "الجمّالَ" إنتقلَ إلى ألمانيا "على مَضَض" لأسبابٍ أمنيّة ومُستقبليّة. ومن أهمّ الإنجازاتِ التي قام بها "الجمّالُ" للمخابراتِ الإسرائيليّةِ هي تجنيده لأحدِ نجوم السّينما المصريّة، وأدواره "الصّغيرة والمُهمّة" في تغطيةِ "إيلي كوهين" في دمشق، وتجنيدِ أحدِ طيّاري العراق، وتَضليلِ المصريين بدهاءٍ في حرب 1967،... أمّا فيما يتعلّق بالقبضِ على "إيلي كوهين" فقد كتبَ "الجمّالُ" في مذكّراتِهِ أنّه أحسّ ب "الصّدمةِ" لفقدانِهِ صديقا أحبّهُ وأستمتعَ بلغتِهِ الفرنسيّة، وكان مُعجباً بذكائِهِ وذاكرتِهِ القويّة، ولَقّبَهُ مازِحاً ب "الدّفتر" وساعدَه في الحصولِ على عملٍ بعد عودتِهِ إلى إسرائيل، وفرِحَ لزواجِهِ من "نادية ميخائيل" وهي إسرائيليّة من أصلٍ عراقيّ نهاية الخمسينيّات، وكان حاضراً في الزّفاف. وكانت حادثة "كوهين" في منتصفِ الستينيّات حافزاً للجمّالِ للتوقّفِ عن الخدمة، وقد أخبرَ رؤسائَه في الموسادِ برغبتِهِ. وبعد مناقشاتٍ واسعةٍ ومُعمّقةٍ أتفّق الجّميعُ أن يستمرّ "الجمّالُ" لثلاثِ سنواتٍ أخرى لحاجتِهم إليه، مع بعضِ التغْييراتِ الأساسيّة، وقد كان. وكان رأيُ "بيتون" أنّ رئيسَ الموساد "عاميت" قد أجبر "كوهين" على العودةِ إلى سوريا رغم كلّ الإشاراتِ التي كانت تؤكّد شكّ السّوريين بهِ، ورغم إنتهاءِ المَهامِ التي كُلِّفَ "كوهين" بأدائِها بسرعةٍ وبراعةٍ فائِقةٍ، ولعبَ فيها الحَظُّ الدّورَ الأكبر... وهيَ مِضخّات المياه، تسلل الفدائيين، أشجارُ القنيطرة كنايةً عن قواعد الجولان، وهجرة ما تبقّى من يهودِ حلب والقامشلي... لكنّه لم ينجح في الحصولِ على خيطٍ يُؤدّي لمعرفةِ مكانِ الضُبّاطِ النّازيين الذين قدِمو من الأرجنتين للإقامةِ مُؤقّتاً في سوريا، وكان "عاميت" يُلِحّ عليهِ في ذلك مرّةً بعد أخرى. ولم يكترث "عاميت" للإشاراتِ والحوادثِ الأخيرةِ خاصّةً بعد التّغْييراتِ المُفاجِئةِ في أجهزةِ الأمنِ السّوريّة، والقبضِ على أحدِ عُملاءِ المخابراتِ الغربيّة الذي دخل سوريا كصحفيّ وكان على علاقةٍ ب "كوهين"... وأنّ "عاميت" قد ألقى بِهِ إلى الهلاك، خاصّةً وإنّ "إيلي" في آخرِ رحلاتِهِ السّريّةِ إلى إسرائيل كان خائِفاً من العَوْدةِ إلى سوريا وكان يُعاني من ضُغوطٍ نفسيّةٍ وعائِليّةٍ كبيرة، إلاّ أنّ "عاميت" كان ينظر إلى كلِّ هذا كوْنه "مُبالغات" خاصّةً بعد أن أصبح ل "كوهين" علاقاتٌ واسِعةٌ في المُجتمعِ السّوريّ وكان ل "أمين الحافظ" بمثابةِ "الفألِ الحَسَن" كما قالَ له شخصيّاً، إذ أصبح "الحافظ" زعيماً للبلادِ حينها وقال ل "كامل" مازِحاً أنّ عليه أن يستعدَّ ليكونَ "سيادة الوزير!" وكان "كوهين" هادِئاً مُنطوياً في شُقّتِهِ الجّميلةِ في دمشق ويعتمد في طعامِهِ على الأطعمةِ المَحفوظةِ والمُعلّبات، وكان حريصاً وحَذِراً في تَعاملِهِ مع الآخرين حتّى أنّهُ كان يُنظّف شقّتهِ بنفسِهِ. وكان الضُبّاطُ السّوريّون يتودّدون إليهِ كتاجرٍ ثريٍّ يأتي لهم ولزوجاتِهِم بالهدايا عندما يُسافر هنا وهناك. وأمّا ما قيلَ عن الحفلاتِ الصّاخِبة التي أُشيعَ أنّهُ كان يُقيمها في شقّتِهِ فهيَ مُجرّدُ أكاذيب تمّ إستخدامها لتصفيةِ الخصومِ في أروقةِ السّلطةِ السّوريّة. يُذكر أنّ كَشْفَ "إيلي كوهين" أو "كامل أمين ثابت" كان بسببِ "الضّغطِ والإندفاعِ في التّشغيل" وهو تعبيرٌ مخابراتيّ، حيث "التّسرّع" في دروسِ اللهجةِ واللكنةِ السّوريّة وتَعاليمِ الدّينِ الإسلاميّ، وفي كتابةِ إسمِهِ العربيّ الذي إنتبه إليهِ أحدُ الضبّاطِ الجّدد في إحدى اللقاءاتِ في 1964 بعد حصولِهِ على كارت "كوهين" الشّخصيّ ولم يكن يُحبّ "كوهين" على الإطلاق، وإختيارِ السّكنِ القريبِ من قصورِ الضّيافةِ والسّفاراتِ التي تعُجّ بأجهزةِ الإرسالِ المُتطوّرة. كذلك بالغ "كوهين" في إرسالِ الإشاراتِ الليليّة تحت الضّغط، والظهور الصّحفيّ والإذاعيّ الذي أوقعَهُ في إرتباكٍ وأخطاءٍ أدّت إلى بعضِ علاماتِ الإستفهام خاصّةً في 1964 أي بعد ثلاثِ سنواتٍ من بدءِ المُهمّة. وفي 1965 تقاطعت إشاراتُ "كوهين" التي كان يُرسلها "بكثافةٍ مُبالغ فيها" مع إشاراتِ إحدى السّفاراتِ "الصّديقة" التي كانت تمتلك جهازَ إرسالٍ متطوّر فتمّ القبض عليه. وزارَ الرّئيسُ السّوريّ "أمين الحافظ" "كوهينَ" في زنزانتِهِ الإنفراديّةِ في قَبْو سجنِ المزّة وأهانَه رغم أنّهُ كان يحترمَه ويُحبّ فيه أدبَهُ وإحترامَهُ للآخرين، لكنّ "الحافظ" أحسّ بالغضبِ والإهانةِ، وتعرّضَ للإحراجِ من أصدقائِهِ والإستهزاءِ من خصومِهِ الكثيرين الذين كانو يتربّصونَ بِهِ إذ كان صديقاً شخصيّاً ل "كوهين" منذ أوّلِ لقاءٍ بينهما في الأرجنتين كأصدقاءٍ جمعهما "حُبُّهما" لسوريا أثناء تأهيل "إيلي كوهين" ليكونَ "كامل أمين ثابت" التّاجر السّوري الثّريّ الذي يَحنّ لوطنِهِ الأمّ ويمتلك رغبةً شديدةً في إنعاشِ الإقتصادِ السّوري، ويكونَ بدايةً لعودةِ التجّارِ المُغتربين. وأصرّ "أمينُ الحافظ" على إعدامِ "كوهين" بسُرعةٍ رغم تدخّلِ الكثيرِ من زعماءِ الدّولِ والكنائِس، وقام بحرقِ كلِّ صورِهِ مع "كوهين" في المقهى العربيّ في الأرجنتين وحتّى سوريا. وتقرّرَ إعدام "إيلي كوهين" الذي إعترفَ بأنّ مَهامَه كانت تنصبّ في البَحْثِ عن ضابطيْن من ضُبّاطِ الحزبِ النّازيّ قدِما من الأرجنتين إلى سوريا إضافةً إلى مُساعدةِ يهودِ سوريا في تهريبِ مُمتلكاتِهِم والرّحيل، وصَمَدَ رغمَ تعذيبِهِ بشدّة. وأُحضِرَ حاخامُ دمشق ليتحدّثَ مع "كوهين" ويُصلّي معه قبل إعدامِهِ. وسُمِحَ له بكتابةِ رسالةٍ قصيرةٍ كتبَها لزوجتِهِ "نادية" باللغةِ الفرنسيّةِ وأوصى لها بخاتمِهِ وساعتِهِ. وخُيّرَ بين دفنِهِ في حلب أو القامشلي حيث بعض مقابرِ اليهود، وأختارَ حلب. وتمّ إعدامه علناً في دمشق ودفنِهِ سرّاً قرب منطقة العزيزيّة في حلب دون العبث بجثّتِهِ بأمرٍ من السّلطاتِ السّوريّةِ وإستجابة لطلبِ بابا الفاتيكان وزُعماءٍ آخرين. وصَوّرَ الحدَثَ مصوّرٌ ألمانيٌّ مُقيمٌ في دمشق وكان صديقاً ل "أمين الحافظ" في الأرجنتين، وتمّ تصوير "كوهين" منذ التّحقيق معه وصلاتِهِ ثمّ إعدامهِ في ساحة المرجة. وقدّمت الحكومةُ السّوريّةُ "الخدماتِ" لسفيرِ الدولةِ "الصّديقة" الذي ساعدَ في كشْفِ "كوهين" ولا تزال تُقدّم الخدماتِ! وقُبِضَ بعدها على الكثيرِ من الضُبّاطِ السّوريين وبعضِ أصدقاءِ "كوهين" منهم مدير إحدى الإذاعاتِ السوريّة والعديدِ من تُجّارِ الأثاثِ والأقمشةِ والأنتيكاتِ في دمشق وحلب الذين كان "كوهين" يتعامل معهم ويُهرّب من خلالِها البعضَ من الصّورِ والأفلامِ ومُقتنَياتِ العوائلِ اليهوديّة خارج سوريا. وأصبحت قضيّةُ "كامل أمين" هديّةَ السّماءِ لأعداءِ "أمين الحافظ" في الإنقلابِ عليهِ لاحقاً، وقد كان. ومن الجّديرِ بالذّكرِ أنّ المُنقلبين على "أمين الحافظ" أصرّو أن يُحبسَ في نفسِ الزّنزانةِ التي حُبِسَ فيها "كوهين" إهانةً له قبل أن يُفرجَ عنه لاحقاً. وبعد عدّةِ سنوات قالَ "الحافظُ" للرّئيسِ العراقيِّ الرّاحلِ "صدام حسين" أنّ "إيلي كوهين" ضحِكَ على كُلّ سوريا، حسب تَعبيرِهِ. أمّا حرب 1973 التي بدأت في بدايةِ أكتوبر بنصرٍ مصريٍّ سوريٍّ وسقوطِ أكثر من 3000 قتيلٍ من جنودِ إسرائيل وأنتهت في نهايةِ أكتوبر بنصرٍ إسرائيليٍّ وسقوطِ أكثر من 12000 قتيلٍ من القوّاتِ العربيّةِ مع خلافاتٍ مصريّةٍ سوريةٍ... وكاد فيها الجيش الإسرائيليّ أن يدخلَ القاهرةَ ودمشقَ إذ كان على بُعدِ أميالٍ منهما "لولا تدخّل الأصدقاء" فقد تمّ إخراج نهاياتها الدراميّة على طريقة "هوليوود" في لقاءٍ سرّيٍ جمعَ "السّادات" مع "مائير" و "دايان" ومستشار الأمن القوميّ الأمريكيّ "كسنجر" حيث بدأ اللقاءُ بتهكّمٍ من الجّانبيْن لكنّه إنتهى بدعابةٍ غير مُتوقّعة من "السّادات" وضحكاتٍ إسرائيليّة... وقال "السّاداتُ" أنّه لا يهمّه "حافظ الأسد" ولا يثق بِهِ، وأنّ "الأسدَ" رجلٌ جبانٌ يكذب على نفسِهِ وشعبِهِ... وإنّ "السّادات" سيقول لشعبِهِ أنّ مصرَ قد إنتصرت وأنتهى كابوسُ 1967 والنتيجة "تعادل واحد واحد" على حدّ تعبيرِه! لكنّ "دايان" الذي أصبح بعد ذلك صديقاً ل "السّادات" إستغربَ وقال إنّ القوّات الإسرائيليّة على مَشارِفِ القاهرة... وبعد حديثٍ طويل... تمّ الإتّفاق على السّلامِ ثمّ ولادة صداقةٍ مُفاجِئة! أمّا مسلسل "رأفت الهجان" والذي كُتبَ على طريقة أفلام "جيمس بوند" حيث تُفتح له كلُّ البوّاباتِ وتعشقه النّساءُ في لحظات ويعلم ما يدور خلف الجُدْران، فقد كُتبَ بالإشتراكِ مع المخابراتِ المصريّة التي تعلم شغفَ المصريين بقصصِ ألف ليلة وليلة وحكاياتِ الأبطال، وإن كانت الأوهامُ أساساً لها. وقد أُعيدت كتابةُ المُسلسل الدراميّ ثلاث مرّاتٍ لتلائِمَ "تطلّعات الشّعوبِ العربيّة" ممّا جعلَ الموساد يحتار بين أمريْن، إمّا الإستمتاع بالمسلسلِ الخياليّ أو الإستهزاء بأخطائِهِ التأريخيّة والمنطقيّة، لكنّ الموسادَ مُلتزمٌ بالإتّفاقِ الذي تمّ مع "السّادات" في عدم التحدّثِ في الأمر! أمّا فيما يتعلق بالمذكّراتِ التي نُشِرت ونُسِبت ل "الجمّال" فيقول "المَسؤولُ" أنّه تمّ كتابتها بالإتّفاقِ بين زوجةِ "الجمّالِ" وأحدِ نجوم السّينما المصريّة الذي جنّدهُ "الجمّالُ" وكان صديقاً له لكنّه "غير" مُقرّب، علماً أنّ "الجمّالَ" لم يترك للمخابراتِ المصريّةِ سوى وصيّة قصيرة قُبيل مغادرته مصر في الخمسينيّات -- أمّا لقاءات "الجمّال" بإخوتِهِ وزياراتِهِ لمصر فقد

....................

نقلها شِفاهِيّاً عن "المَسؤولِ" وترجمها للعربيّة
مازن لِن
برلين
2020
حقوقُ الطّبعِ والنّشْرِ مَحفوظةٌ للكاتِب ©

 

Copyright
www.mentor-mazin.com
© 2024 Mazin Linn. All rights reserved.
Copyright
www.mentor-mazin.com
© 2024 Mazin Linn. Alle Rechte vorbehalten.